كيف نجذب رؤوس الأموال إلى السعودية؟

TT

رغم حصول المملكة العربية السعودية على المرتبة الثامنة في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الحالي، ارتفاعا من المرتبة 14 في العام الماضي، ورغم الأزمة المالية العالمية وآثارها الكبيرة، ليس على المملكة فحسب، بل على كل دول العالم، وما تبعها من انخفاض في حجم الاستثمارات التي شهدتها المملكة إلى 7 في المائة مقارنة بعام 2008، استطاعت المملكة أن تواصل الطريق نحو جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ولكن ما زال الأمر يحتاج إلى كثير من العمل للوصول إلى الأهداف المرجوة.

فوفقا لتقرير منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لعام 2010م، فإن صافي التدفقات الداخلة إلى المملكة، أدى إلى ارتفاع إجمالي رصيد الاستثمارات الأجنبية فيها إلى 552 مليار ريال في نهاية عام 2009. وطبقا لنفس التقرير، فإن المملكة تملك إمكانات في جذب الاستثمارات تفوق ما تحقق فعليا. ولكن حدث تحول كبير دفع إلى تقليص الفجوة بين الإمكانات والمتحقق الفعلي خلال العامين الأخيرين.

وتوقع التقرير أن تحافظ السعودية على مركز متقدم في مجال جاذبية الاستثمارات الأجنبية الواردة إليها نظرا لما تمتلكه من مزايا تنافسية كبيرة وتميزها بمصادر غنية.

تحسين بيئة الاستثمار

إن الهيئة العامة للاستثمار تسعى في سياق البرنامج الشامل الذي وجه به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، لتحسين بيئة الاستثمار في المملكة وتحديد هدف واضح، ومحدد، يسهل التعريف به لدى جميع منسوبي الجهات الحكومية ذات العلاقة بالاستثمار. ويمكن قياس التقدم الذي يتحقق فيه من خلال وصول المملكة إلى مصاف أفضل 10 دول في العالم من حيث تنافسية بيئة الاستثمار هذا العام. كما أن برنامج 10 في 10 يلخص رؤية الهيئة التي ركزت على رفع تنافسية المملكة دوليا في جذب الاستثمار كعاصمة للطاقة وحلقة وصل رئيسية بين الشرق والغرب.

إجراءات حكيمة:

ولا شك أن المرتبة التي وصلت إليها المملكة في هذا المجال كانت نتيجة لعدة عوامل، منها: الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به كمركز جذب للاستثمارات الأجنبية في المنطقة، إضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها القيادة الحكيمة، وكذلك التسهيلات التي تقدمها. ويعلم الجميع أن جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة، يعتبر أحد أهم الإجراءات التي اتخذتها المملكة في استراتيجيتها الشاملة لتنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على النفط بشكل أساسي.

إن المتابع لمسيرة المملكة خلال السنوات الماضية، في ما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية، يلاحظ أنها منذ عام 2005 وبداية عام 2006 وهي تحتل المراكز الأولى بين الدول العربية، في حجم الاستثمارات الأجنبية، لعدة أسباب، منها: ارتفاع أسعار النفط؛ حيث استطاعت جذب استثمارات تصل إلى 29 في المائة من إجمالي الاستثمارات في الدول العربية، التي تفوق 62 مليار دولار. ورغم ذلك فإنها لا تزال في حاجة إلى المزيد من العمل على تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في شتى المجالات، خصوصا تلك التي تتعلق بالتقنية والتكنولوجيا.

بيئة استثمارية ناجحة:

ولا شك هنا، أن تهيئة بيئة استثمارية ناجحة تحتم على الجهات ذات العلاقة ضرورة تحسين المناخ الاستثماري والعمل الجاد على إزالة العوائق والعقبات التي تواجه تدفق الاستثمارات إلى البلد، والعمل أيضا على التركيز على دراسة هذه العوائق وفرزها، والتعامل معها بكل حكمة، لأن دخول الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة يسهم في خلق الفرص الوظيفية الجديدة والجيدة للشباب السعودي التي تصل أعدادها إلى ألاف الفرص، مما يسهم في تحسين نوعية الحياة.

من هنا فإن الرساميل الأجنبية لا تدخل إلى أي بلد مهما كان، إلا إذا توفرت فيه مجموعة عناصر، منها: العمل الدائم والمستمر على تعزيز الإصلاحات الاقتصادية، وتوفير خارطة استثمارية تتضمن بيانات ومعلومات تعين المستثمر في اتخاذ القرار المناسب والصائب في الاستثمار، والعمل على تطوير الأنظمة البنكية وتعزيز أداء سوق الأوراق المالية.

تحديث الأنظمة:

كما أن معظم الدول سواء المتقدمة منها أو النامية، تنتهج عدة سبل وطرق تهدف من خلالها إلى جذب الاستثمارات إليها، خصوصا من خلال سن القوانين والأنظمة والتشريعات التي تضمن تدفق الاستثمارات الأجنبية إليها. لذلك فإن المملكة في حاجة ماسة إلى تعديل بعض هذه الأنظمة، لتسهيل جذب الاستثمارات الأجنبية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، التحكيم القضائي، خصوصا أن الكثير من الشركات الأجنبية تفضل شرط التحكيم الأجنبي في اتفاقياتها، وأعتقد هنا أن هذا الشرط أرجأ، لكي لا أقول منع، الكثير من الاستثمارات الأجنبية من الدخول إلى المملكة. وكذلك نحن في حاجة إلى تطوير أنظمة العمل، خصوصا تلك التي تشكل عقبة أمام دخول الاستثمارات، إذ إن بعض الشركات الأجنبية تعتبر خطة السعودة مثلا تمثل عائقا. ولذلك ولتخطي هذا الأمر يمكن وضع حوافز تشجيعية لهذه الشركات وتقديم الإعانات المناسبة لتدريب الشباب وتوظيفهم وفق آلية يتفق عليها، إضافة إلى تحديد معدلات السعودة بناء على نوع النشاط، إذ إن الكثير من القطاعات تحتاج إلى خبرات وكفاءات مؤهلة ومدربة. ويضاف إلى ذلك ضرورة إعادة النظر في عملية وشروط الاستقدام، وإيجاد الآليات والإجراءات السريعة لها.

وليس هذا فحسب، بل أيضا يجب العمل على فتح الباب أمام المؤسسات المالية العالمية للدخول إلى المملكة، لكي تسهم في توفير مصادر تمويلية جديدة، لأن القنوات التمويلية الحالية محدودة. وكذلك العمل على إعداد مسح شامل ودقيق توضح فيه الفرص الاستثمارية المتاحة في المملكة، التي تحتاجها في مختلف القطاعات والترويج لها في المحافل الاقتصادية الكبرى وعبر وسائل الإعلام المختلفة.

مكسب وطني:

وإذا كان الكثير من المتابعين يسألون عن قيمة وطبيعة الاستثمارات الأجنبية والأرقام الضخمة التي تذكر بين حين وآخر في التقارير المالية، وهذا حقهم، فإننا نقول إن هذا الأمر يعود إلى نوعية الاستثمارات والمدة الزمنية التي تحتاجها للإنتاج، وهنا أعتقد جازما أن أي استثمار يدخل إلى البلد، يمثل مكسبا اقتصاديا ووطنيا، وأعتقد أيضا أن النتائج ستأتي لاحقا على قدر ما نتوقع وأفضل، خصوصا إذا كانت هذه الاستثمارات تعمل وفق شروط محددة تحفظ حقوق كل الأطراف.

ويبقى أن ما تقدم لا يعدو كونه مقترحات وآراء نضعها أمام المسؤولين والمعنيين وأصحاب الرأي، علها تساهم مع غيرها في تعزيز صلابة اقتصادنا الوطني، من خلال العمل على إيجاد بيئة استثمارية منافسة وجاذبة، وفق خطة وطنية مدروسة، توصلنا في النهاية إلى الهدف المنشود.

* عضو مجلس التنمية السياحية في محافظة جدة ورئيس اللجنة السياحية في الغرفة التجارية بجدة