حتى أنت يا قرش!

TT

بينما العالم مشغول بوثائق «ويكيليكس» وتداعياتها على العلاقات الدبلوماسية الدولية وما تكشف عنه من أسرار، إذا بسمك القرش ينافس «الوكلسة» في تصدر نشرات الأخبار بعد أن قام بما يشبه حرب عصابات في منتجع شرم الشيخ بهجمات يشنها على السياح الهاربين من صقيع الجزء الشمالي للكرة الأرضية والذين يتجرأون على النزول للمياه الدافئة.

وتحول سمك القرش إلى قضية دولية مثار جدل: تحذيرات تصدرها دول، وانتقادات مضادة لتسرع السلطات في السماح بالنزول إلى البحر، وانتقادات أخرى مضادة للسياح الذين يستهينون بكائنات البحار وبيئتهم، والقائمين على البيئة البحرية هناك خوفا من حملة مضادة لقتل سمك القرش الذي تحميه اتفاقيات دولية.

وفي مشاهد مشابهة تماما لسلسلة أفلام هوليوود عن الفك المفترس التي شاهدها الملايين، صدرت بيانات متضاربة عن قتل السمكة أو السمكتين اللتين نفذتا الهجمات الأولية، ليحدث هجوم جديد راحت ضحيته سائحة ألمانية، ويقفل البحر مجددا ويقول مسؤول: إن السمكة المسؤولة عن الهجمات ما زالت حرة طليقة، ولا توجد معلومات محددة عن السبب في تغير سلوك سمك القرش ليقوم بهجمات متواصلة في بحر أسبوع بهذا الشكل.

لا يوجد شيء مؤكد حتى الآن، حسب التقارير المتوافرة، كما أن هجمات القرش ليست شيئا جديدا على العالم. فبين كل فترة وأخرى توجد هجمات في بعض السواحل الأميركية وأستراليا نسمع عنها، وإن كان الانطباع العام هو أن قرش منطقة شرم الشيخ مسالم و«لا يعض» إلى أن أثبتت ثورته الأخيرة العكس.

عموما.. الأرجح أن هذه الحوادث إن لم تتكرر ستُنسى بعد قليل، والأرجح أيضا أن السياحة في المنطقة لن تتأثر؛ لأن السائح، خاصة من الغرب، يعرف أن هناك مخاطر في البحر، وأن هناك أخطارا كثيرة في مناطق كثيرة في العالم. فلا يزال الناس يذهبون بأعداد كبيرة للاستمتاع بسواحل إندونيسيا وتايلاند على الرغم مما حدث قبل سنوات من التسونامي. بعبارة أخرى، فإن الناس والسياح يقدرون أن الطبيعة لها أخطارها التي نتعايش معها، وإذا خفنا من كل شيء فلن نتحرك من مكاننا.

وسيكون مفيدا استخلاص الدروس من النتائج التي سيخرج بها خبراء البيئة البحرية إذا نجحوا في معرفة أسباب هذه الثورة القرشية المفاجئة، وما إذا كان هناك تغير في سلوك هذا الكائن البحري دفعه للخروج إلى مياه قريبة من الشاطئ لمهاجمة السابحين، خاصة ما إذا كان هناك سلوك بشري معين تجاه البيئة البحرية أحدث هذا التغير، مثلما يقال في التكهنات عن شحنة أغنام نافقة ألقيت في البحر وجذبت رائحتها أسماك القرش، أو أن الصيادين اصطادوا أسماكا بكميات أكبر من اللازم فلم يجد القرش ما يأكله فاتجه إلى البشر على الرغم من أنه ليس معروفا عنه تذوقه للحمهم.

نعم.. المهم استخلاص الدروس؛ لأن الناس يتجاهلون أو ينسون أن السلوك البشري تجاه البيئة والتغيير فيها، في أحيان كثيرة، تكون له عواقب لا أحد يستطيع حسابها وقد تكون أحيانا مدمرة. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، على رأسها قضية الاحتباس الحراري التي أصبحت أولوية عالمية الآن وبدأنا نشعر بها في تغيرات المناخ والفيضانات والمخاوف من غرق مناطق كاملة في المياه بسبب ارتفاع منسوب البحار.