الداخلية والدفاع لمن؟

TT

كثيرة هي التصريحات التي نشرتها الصحف العراقية وتداولتها المحطات الفضائية بصدد توزيع الوزارات العراقية في الحكومة الجديدة، وأغلب هذه التصريحات ركزت على وزارتي الداخلية والدفاع كوزارتين سياديتين ويجب إسنادهما بعيدا عما سمي بالمحاصصة وغيرها من التسميات التي تعددت في القاموس اليومي لمفردات العراقيين.

وطالب الجميع بضرورة أن يسندا إلى شخصيات مستقلة، رغم عدم وجود من هو مستقل فكريا وآيديولوجيا في العراق، بدليل أن من فاز بمقعد برلماني كان جزءا من حزب أو حركة أو ائتلاف يحمل فكرا آيديولوجيا وفلسفة للحكم، وتناسى الجميع بأن ما ينطبق على الدفاع والداخلية ينطبق أيضا على التربية والتعليم العالي والثقافة والشباب والرياضة والخارجية والنفط والمالية وغيرها من الوزارات التي إن أردنا تعدادها فالقائمة تطول.

وبالتأكيد حرص البعض على إسناد هاتين الوزارتين إلى مستقلين غير مرتبطين بأحزاب ضمن الحكومة، يمثل حالة عدم الثقة التي ما زالت تحكم العلاقات بين شركاء العملية السياسية في البلد، وربما كان عدم الثقة هذا موجودا في الحكومة السابقة بحكم الظروف التي كانت سائدة آنذاك، إلا أننا نجد أن محاولة البعض من القوى السياسية بإسناد الدفاع والداخلية إلى أشخاص خارج الأحزاب نابعة من مخاوفهم من استخدام الجيش والأجهزة الأمنية لأغراض أخرى غير واجباتها الوطنية، دون أن يفكروا في تداعيات هذا على مجمل الوضع الأمني في البلد في الظروف الراهنة.

ويعرف الجميع أن رئيس الوزراء بموجب الدستور العراقي هو القائد العام للقوات المسلحة ويتحمل مسؤولية المحافظة على أمن الوطن والمواطن. وبالتالي فمن صميم واجباته الأساسية في تشكيل الحكومة هو أن يختار من يجدهم أهلا لشغل منصبي وزير الداخلية ووزير الدفاع. لا، بل من الضروري أن يختارهما ليكون هو وهما المسؤولين عن حفظ الأمن واستتبابه من جهة، ومن جهة ثانية كي لا يتقاطعوا في وجهات النظر كما حصل في فترات كثيرة في السنوات الماضية وتركوا آثارا سلبية كبيرة على الشارع العراقي.

والشيء الآخر والمهم والذي ربما غاب عن أذهان البعض أننا اخترنا في الحكومة السابقة أشخاصا مستقلين لشغل هذه المناصب ووجدناهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة باتوا غير مستقلين لأنهم شكلوا كتلا سياسية دخلت منافسات البرلمان وحتى مجالس المحافظات، فمن يضمن استقلالية الجدد؟

ثم إن منصب الوزير في كل دول العالم الديمقراطية هو منصب سياسي وليس فنيا، فليس من الضرورة أن يكون وزير الصحة هو أكفأ طبيب، وهذا يعني بأنه منصب سياسي، أما الأمور الفنية الأخرى فهي بيد المختصين والوكلاء ومعاونيهم.

ولو أمعنا النظر في هذين المنصبين الخطيرين في الكثير من دول العالم ومنها عالمنا العربي نجد أن وزيري الدفاع والداخلية هما الأكثر قربا من رئيس السلطة التنفيذية، سواء كان رئيس وزراء أو رئيس جمهورية أو ملكا أو أميرا. هذا في البلدان المستقرة، فكيف ببلد مثل العراق ما زال في طور البناء والتكامل وهاجس شعبه الوحيد هو استتباب الأمن واستكمال جاهزية القوات العراقية سواء الجيش أو الشرطة؟

وفي مقدمة عملية البناء هذه هي بناء الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، التي تتطلب أن يكون وزيرا الداخلية والدفاع من كتلة برلمانية كبيرة بمقدورها دعمهما تشريعيا عبر القوانين والأنظمة التي تنظم عملهما أو عبر تخصيص المبالغ الكافية لاستكمال بناء هذه القوات التي لا يمكن أن تتحرك كما كان في العهد البائد لتضرب الشعب، بل هي لحماية الشعب من عبث العابثين وفي مقدمتهم التنظيمات والمجاميع الإرهابية.

والمواطن العراقي يعي هذا جيدا ويسأل دائما: لماذا لا يكون وزيرا الدفاع والداخلية من الرجال المتمرسين الذين خبروا مواجهة الأعداء ولديهم الإمكانيات التي تؤهلهم لشغل هذين المنصبين، خصوصا أن الكثير منهم أصبح مؤهلا بحكم التجربة والخبرة المتراكمة في السنوات السبع الماضية لأن يشغل هذا المنصب. ونحن هنا لا نريد أن نطرح أسماء بعينها بقدر ما نريد أن نؤكد حقيقية مهمة يتداولها المواطن العراقي تتمثل في سؤال: لماذا يريد البعض أن يجعل وزارتي الدفاع والداخلية بهذه الصورة التي هي عليها الآن؟ هل ثمة تخوف ما زال يساور البعض؟ أم أنه محاولة لإبقاء الوضع كما هو عليه الآن، خصوصا أن البرلمان السابق رفض حتى تخصيص رواتب لبعض الأجهزة المهمة في القوات المسلحة، التي مارست دورها القتالي بشرف في مقارعتها للإرهاب والتصدي له.

لهذا على جميع القوى الوطنية التي تطمح لاستتباب الأمن في البلاد أن تراجع حساباتها السابقة وتضع نصب أعينها مهمة بناء القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية بعيدا عن التحسس الذي يساور البعض لأن هذه الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة هي ليست ملكا لأحد بقدر ما هي ملك الشعب العراقي الذي يطمح بأن تتطور قواته، وهذا التطور يحتاج بالتأكيد إلى أن يدعم تشريعا وماليا وإعلاميا أيضا.