رسالة إلى الرئيس بوش من مواطن عربي

TT

اسمح لي ان اكتب اليك بدون معرفة سابقة.. وأعرف مسبقا انك مثقل بمسؤولية تاريخية تئن من ثقلها الجبال... فما بين الأمس واليوم مسافة شاسعة شاءت الأقدار ان تمشيها فوق جمر حرائق واشنطن ونيويورك... وان تعالج نفوس مواطنيك الذين اصابهم الحادث الجلل.. وبين اعادة الاعتبار والتوازن لدولة عظمى اهتزت اركانها الامنية والسياسية والعسكرية بضربة واحدة.

سيادة الرئيس..

اعبر لك عن عميق مشاعري ومواساتي كعربي ومسلم اتجاه الشعب الامريكي في ما ألم به.. لأنني أحس بمعاناتكم.. فبلدكم هي من صنعنا.. نحن شعوب العالم بكل اجناسه.. وتدين بدياناتنا.. ومن خلال جهد شاق استحقت بجدارة ان تتفوق في كافة مجالات الحياة.. وان ترتاد الفضاء، وان تتربع على عرش الارض بدون منازع، ونتمنى ان تكون رمزاً للعدل ورسولا له.

سيادة الرئيس..

هذه فرصة تاريخية نادرة لك وللولايات المتحدة، وفي هذه المرحلة الدقيقة وبعد هذه الفاجعة التي ألمت بكم واتُهمنا بها في شخص ابن عمنا بن لادن، والتي هي امتداد لسلسلة من التهم بالإرهاب لنا منذ ان عبرنا عن رفضنا لحالة ظلم ألمت بنا، حاولنا دفعه بالقلب.. واللسان ثم بالطائرات.. وسوف لن نعدم الوسيلة لمواجهة هذا الظلم.. طالما هناك أمة تعاني وأم تلد.. ولذا أود رغم ان الوقت مبكر لهذا الحديث.. ولكن الحدث فرض نفسه.. وقبل فوات الأوان.. أن أوضح بأنني أريد مساعدة الولايات المتحدة والدفاع عنها.. ومواجهة الارهاب في هذا الوقت العصيب.. ولكن ليس بالنفاق والتملق.. كما انه ليس بالدعم العسكري.. فأنتم تملكون أكبر قوة عسكرية.. وليس بالقواعد.. فلستم في حاجة لها.. وطائراتكم تتزود بالوقود جواً.. وصواريخكم لا تحتاج الى تصاريح مرور.. وأيضاً ليس بالدعاء.. فقد ينقلب عليكم.. اذا كنتم تتسلحون بكل ذلك.. ولا تتسلحون بالايمان.. ان هذه الارض خلقها الله لتحيا.. لا لتدمر.. وان هذا العمل الذي تعدون له هو إعداد العالم لمرحلة جديدة من الارهاب.. أي العنف والعنف المضاد... ولن ينتصر احد.. وسندور معاً في دوامة عنف لن تنتهي.. وقد تتحول بعدها يا سيادة الرئيس الى هولاكو أو جنكيزخان أو هتلر ـ لا سمح الله ـ وأنت تعرف كيف يُقيّم التاريخ هؤلاء.. رغم انهم ظهروا في عصر غير العصر.. وظروف غير الظروف.. ولذا ادعوك حباً وصدقاً ان نتعاون معاً في وقف هذه الهمجية.. فأول حروب القرن لم تبدأ بعد.. ولن تنتهي بدمار افغانستان.. وتشريد ملايين البشر أو القبض على بن لادن.. الذي ان صح انه وراء تدمير واشنطن ونيويورك سيكون سعيداً اذا لحق بزملائه.. وكم ظهر قبله.. وكم سيأتي بعده؟

سيادة الرئيس..

ان مساعدتي التي سأتقدم بها اليكم قد تكون مستفزة الآن.. ولكنها صادقة ومفيدة.. وعلاج حقيقي لحالة مرضية تحاولون علاجها بدواء انتهت صلاحيته.. وبذلك انتم لا تطفئون النار بل تشعلونها.. وهذه المليارات التي رصدت.. وهؤلاء الشباب.. الذين ستزجون بهم في أتون الجحيم، لن يعيدوا لأمريكا كبرياءها.. وهذه التريبات لن تُجدي نفعاً.. أو تعيد لامريكا احترامها.. بل ستعزز حقداً تراكم لسنوات طويلة اشتعل فتيله في الحادي عشر من سبتمبر.

سيادة الرئيس..

أتمنى عليكم والشعب الامريكي ان تملكوا الشجاعة بالاجابة على سؤال تردده الملايين.. لماذا نحن؟ لماذا امريكا؟ علينا اولا.. ان نصحح هذه العلاقة.. وان نفتح قلوبنا.. ونمد ايدينا.. ونُحَكّم عقولنا.. بأن نجنب الاسلام والمسيحية واليهودية أي وصاية من احد.. فهذه الديانات ذات نبع واحد.. والعقاب فيها ليس جماعياً.. فكل واحد فينا يحاسب بمفرده عن تصرفه.. لذا علينا ان نجنبها أي إدانة.. فجميعها ليست مسؤولة عن جرائمنا.. بل جميعها تُجرِم افعالنا في السلم والحرب. ثانياً.. هذه البلايين الذي رصدت للحرب والدمار علينا ان نحولها للتنمية ومحاربة الفقر ومعالجة الأمراض.. وقد نبدأ بأفغانستان.. وفلسطين المحتلة لخلق تعاطف حقيقي معكم وتحسين صورتكم لدى هؤلاء الذين يعتبرونكم سبباً لكل شر.. وان تعطوا بذلك صورة مشرقة لروح التسامح والتحضر والديمقراطية.. ورغم قدرتكم التي لا تناقش في مسح هذه المناطق من الخارطة.

ثالثا.. العمل على تصحيح علاقتنا بجيراننا اليهود الذين لو كانت الضربة موجهة لهم لكانت مذبحة اخرى تضاف الى المذابح التي تعرضوا لها عبر التاريخ.. ولكي نمنع ذلك مستقبلا.. نُدخل المنطقة في سلام حقيقي.. نريد صلحاً تاريخياً معهم.. يتساوى فيه الجميع.. ويتخلص فيه الجميع من عقدة التفوق.. وكفى الله المؤمنين القتال.. نحن وهم وأنتم.. تماماً كما حدث في جنوب افريقيا.

سيادة الرئيس..

ان الشجاعة.. والرقي الحضاري.. وريادة العالم الحر.. لن تُعبروا عنها إلا بهذه المواقف.. لا بحاملات الطائرات والصواريخ.. ولغة التحدي.. وإجبار الحكومات ان تصطف خلفكم.. ولغة الوعيد.. التي تزيد الأمر تعقيداً.

سيادة الرئيس..

أرجو ألا تنخدعوا.. انك تعرف ان الذين هرعوا للوقوف معكم ومنهم منافسون لكم.. يريدون اغراقكم في مزيد من الدماء والدمار والكراهية.. وهي دول تعرفونها.. ودول اخرى تخشاكم.. وسيدفع حكامها الثمن مع أول قصف على وديان افغانستان.. لأننا نرى بأن تداعيات هذا الصراع.. اذا ما حُسبت بمنطق الطرف الآخر.. فقد تكسبون افغانستان وقد تخسرون باكستان كمقدمة لخسارة تفتح الباب الى تغير جديد في خريطة العالم، في هذه المنطقة وتداعيات بالغة الحساسية اقتصاديا ودينياً.. وتنتهي بصراع داخل الولايات المتحدة ذاتها.

سيادة الرئيس..

هذا لا يعني ان تتنازلوا عن حقكم في حماية مواطنيكم.. وانما الذي اقترحه وحده يحقق ذلك.. وألا يخدعكم سراب صحرائنا التي سُطرت عليها أهم دروس التاريخ الانساني! انه امتحان أخلاق.. يأتي في بداية قرن جديد.. علينا أن نجنب البشرية سقطة اخرى تعيدنا الى الجاهلية في عصر الاستنساخ.. ويجب ان لا يقودنا الحقد الاعمى الى أن نستبدل المواقع مع الارهاب.. يجب ان يقودنا الحب الذي عبر عنه المسيح عندما ادار خده.. فأخذ الباب الناس. سيادة الرئيس..

ان العالم دخل طوراً يحتاج الى اسلوب آخر لمعالجة القضايا.. وأرجو ألا يكون الوقت متأخراً.. وان ينتصر السلام.. ادعو لكم من كل قلبي ان يلهمكم الله في هذا الظرف العصيب الصواب.. حينها سيكون الجميع معكم.. وخاصة نحن الذين تألمنا قبلكم.. وفقدنا اعزاء وفي مطلع كل صبح دماؤنا تسيل.. فنحن في امس الحاجة الى السلام.

سيادة الرئيس..

ليس المشكلة بن لادن.. وليس المشكلة الاسلام.. إنها أكبر من ان تعالج بالأساطيل.

والسلام على من اتبع الهدى.