ناقة البسوس تسرح في مدننا العصرية!

TT

كثير من الناس يمكن أن ينعتوا اليوم بأنهم «يتأبطون شرا».. يخرجون من بيوتهم في حالة استعداد لأي صراع يمكن أن يعترض دروبهم مهما صغر.. سيارات بعضهم مجهزة من «النبوت»، إلى السكين، إلى السلاح الناري، وكأنهم يتجولون في كهوف تورا بورا، لا في مدن يسودها القانون، ويحكمها النظام، ويفترض أن تظللها العلاقات الإنسانية.. إذا اصطدمت عربتان في الطريق العام، فإن المشهد المألوف والمعتاد والشائع أن يتولد عراك بين السائقين، قد يمتد إلى الركاب، وقد تترامي تخوم فاجعته إلى القبر والسجن!

إنْ تعارك طالبان صغيران على مقاعد الدراسة في بعض المدارس، سرعان ما تتحول الساحة الخارجية للمدرسة إلى ميدان حرب، يشارك فيه الأهل وأبناء العم والجيران وأنصار «الفزعلوجيا».. وإن اختلفت مع جارك حول متر مربع في مساحة الأرض التي تملكها عن جدك، فاقلب عاليها «واطيها» على رأس جارك، وانس أن هناك بلديات، ومحاكم، ومرجعيات يمكن الاحتكام إليها بدلا من الذراع.. أما إذا قذف طفل بالكرة مصادفة في فناء بيتك فلا بأس أن «تبعج» كرشها بسكينك، مؤكدا على مسامع الطفل المصدوم أن المرة القادمة لن تكتفي بهذا الجلد الميت المنفوخ، وقد تصل إلى اللحم الحي!

بعض مجتمعاتنا العربية تعيش خللا تربويا واضحا في بيئاتها الاجتماعية، عبر تطبيق أساليب محفزة على العنف، تحقن بها أطفالها يوميا في سياقات مجتزئة من أطرها الزمنية، وكأن ناقة البسوس لم تزل تجوب شوارع مدننا الأنيقة والحديثة والجميلة.

كنت أتوقع أن تهتم وزارات التربية والتعليم بتقديم جرعات لطلابها عن القانون وحقوق الإنسان في المراحل الدراسية المختلفة، لعلها تسهم في إصلاح ما أفسدته أخطاؤنا التربوية في المنازل، كنت آمل أن تستفزنا أسباب القتل والصراعات المجانية الواهية إلى تبني برامج توعية تخمد المراجل المشتعلة في الصدور، لتحل مكانها السكينة والحكمة والتعقل، كنت أتمنى أن نتنبه إلى أن العنف اليومي في الطرقات والبيوت منزلق خطر على المجتمعات أن تهتم به قبل أن تصبح في قبضة الهمجية والتوحش.

ويبقى السؤال: هل يتجه إنسان العصر الحديث إلى أن يكون أكثر عدوانية من سلفه؟

[email protected]