المرأة الثرثارة!

TT

المرأة تتحدث أكثر من الرجل. لم يعد هذا الأمر اعتقادا شائعا، إذ أثبتته دراسات عدة، أظهرت إحداها أن المرأة تتفوه بثلاثة أضعاف ما يقوله الرجل، أي بمعدل 20 ألف كلمة يوميا، مقابل 7 آلاف للرجل!

علماء آخرون من جامعة براون أرادوا أن يتأكدوا هل تؤثر ثرثرة المرأة على إنتاجيتها في المنزل وفي العمل؟ فتوصلوا بعد عامين من الدراسة المطولة، إلى أن المرأة تنتج أكثر في المنزل وفي العمل إن هي قللت من تحدثها، وهو ما اعتبره الباحثون «نتيجة مدهشة للغاية»، لأن هذا الاعتقاد، حسب قولهم، كان شائعا بين الناس، «لكنه لم يكن قبل هذه الدراسة مبنيا على حقائق علمية».

وجاء هؤلاء الباحثون بمجموعة من النساء المتطوعات ووضعوا في أفواههن قطعة صغيرة (Mouthpiece) لمنعهن من التحدث، فتوصلوا لاحقا إلى أن النساء أنجزن أعمالهن المنزلية بنسبة 35 في المائة أكثر من المعتاد، وبنسبة 58 في المائة للمهام الوظيفية، مقارنة بالنساء المشاركات اللاتي لم يرتدين هذه القطعة الفمية، حسبما نشر في مجلة «نيو إنغلاند» الطبية. ليس هذا فحسب، بل حتى الموظفات اللاتي لم يشاركن في الدراسة ارتفعت إنتاجيتهن في العمل بنسبة 85 في المائة، وربما حفزتهن الأجواء الهادئة للإنتاج!

حب المرأة للثرثرة أمر طبيعي جدا، لكن يبدو أنه يشغل بال كثير من معشر الرجال، فهو من أكثر الأسئلة التي توجه إلي في لقاءاتي التلفزيونية ودوراتي التدريبية، مما دفعني إلى تأليف كتاب كامل سميته «المرأة تحب المنصتين»، وتوصلت من خلال البحث إلى أن المرأة عندما تتحدث، فإنها تريد آذانا صاغية. وتبين أن جسمها يفرز هرمونا يشعرها بالسعادة الغامرة حينما تتحدث، وهو ما نلاحظه على ملامح المرأة بعد قدومها من مناسبة اجتماعية نسائية، ما لم يحدث ما يعكر صفو مزاجها!

كما وضعت في الكتاب صورة مقطعية للدماغ تظهر أن المناطق المسؤولة عن العاطفة في دماغ الرجل لا تتجاوز منطقتين، في حين أن المرأة لديها أكثر من 17 موقعا، كانت تنشط بصورة ملحوظة عندما عرضت باحثة كندية على المشاركين في دراستها العلمية صورا ذات طابع عاطفي. وكما هو معلوم فإن العواطف تدفع الشخص إلى مزيد من التحدث والفضفضة. ولذا أفضل تسمية «ثرثرة» المرأة بـ«الفضفضة»، لأنها تعبر عما يجول في خاطرها.

وليست المرأة الوحيدة المتهمة بـ«الثرثرة»، بل حتى بعض الرجال صاروا ينافسون النساء، خصوصا في العمل. وبعض المسؤولين يحاولون منع لقاءات الثرثرة بحجة الإنتاجية، وهو أسلوب غير مجد، لأن الإنسان بشر يحتاج إلى شيء من الفضفضة في «حدود المعقول». وعليه فإن أحد الحلول الناجعة يكون بإشغال الموظفين بأعمال تملأ أوقاتهم، فمكوثهم من دون عمل، وبأعداد تزيد عن الحاجة، وعدم إلزامهم بمواعيد تسليم ضيقة (Deadlines)، كل ذلك قد يدفعهم إلى تمضية الوقت في كلام عديم الجدوى أو أمور تافهة. وقد قال الأديب الراحل د.غازي القصيبي: «من يشغل نفسه التوافه لن يجد متسعا من الوقت للعظائم».

إن كثرة الكلام مضرة وتدفعنا إلى الوقوع في مزيد من الأخطاء، «فأكثر أخطاء ابن آدم في لسانه»، كما يقال. ولما سأل معاذ بن جبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل نحن مؤاخذون على ما نقول يا رسول الله فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم (في النار) إلا حصائد ألسنتهم».

الثرثرة خيارك، ولكن العرب تقول إن «خير الكلام ما قل ودل».

[email protected]