الصين: ثقة وسط هالة من القلق

TT

بكين - كانت مفارقات الدولة الصينية الناهضة - التي تريد لعب دور أكبر في الشؤون العالمية لكنها تعاني من حالة سبات وشعور بالقلق - واضحة للعيان داخل بكين خلال لقاء مع مسؤولين صينيين. وصرح مسؤول صيني بارز خلال الاجتماع بأن «الصين في حاجة إلى أن تلعب دورا أكبر بدلا من وقوفها موقف المراقب» في ما يتعلق بقضايا مهمة مثل كوريا الشمالية والتعديلات المرتبطة بالعملة. وأضاف قائلا «عندما نكون على خشبة المسرح لا يجب أن ندير ظهورنا إلى الجمهور وكأننا جزء منه».

وعندما حان وقت اقتراح حلول خلال اجتماع عقد الأسبوع الماضي مع زائرين أميركيين وأوروبيين، كان الصينيون يتوخون الحذر. ووافق مسؤولون على القول بأن كوريا الشمالية والعجز الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي مشكلات كبرى. لكن توصياتهم ركزت على النقاش بدلا من القيام بشيء، ووصل الأمر إلى أن بدا النقاش المتناغم وكأنه هدف في حد ذاته.

وقال جون فو، العميد التنفيذي بكلية الحكم التابعة لجامعة بكين، خلال مؤتمر صحافي عقب الاجتماع، إن الوصفة الصينية للتعامل مع كوريا الشمالية هي «الحوار ثم الحوار ثم الحوار». وترك هذا المنحى شعورا بالإحباط لدى مسؤولين بوزارة الخارجية الأميركية يعتقدون أن بكين سئمت سرا من سياسة حافة الهاوية التي تتبعها كوريا الشمالية، وذلك بحسب ما أفادت به وثيقة خاصة بوزارة الخارجية الأميركية ونشرها موقع «ويكيليكس».

وقد كان اللقاء محاولة غير معتادة من أجل دراسة مجالات محل اهتمام مشترك، وربما محل عمل مشترك. واستضافت اللقاء المدرسة الحزبية للجنة المركزية، وهي مركز تدريب للقيادات يترأسه شي جين بينغ، المقرر أن يكون الرئيس المقبل داخل الصين. وكان الرعاة الآخرون مجموعة «آسبن استراتيجي» (التي أنا عضو فيها) ومعهد «آسبن إيطاليا».

وقال نيكولاس بيرنز، وكيل وزارة الخارجية السابق الذي يعمل حاليا أستاذا بجامعة هارفارد ومدير مجموعة «آسبن استراتيجي»: «هذا ليس موقفا نتحدث فيه بعيدا عن بعضنا بعضا، ولا يبدو أننا ليست لدينا القدرة على العمل معا» على الرغم من وجود «درجة مدهشة من المصلحة المشتركة». وأشار إلى أنه في ما يتعلق بكوريا الشمالية فإنه لدى الصين النفوذ الأكبر، لكنها «تبدو مترددة في استخدام ذلك»، و«لم ترتق لمستوى الاختبار بعد» كشريك أمني.

وقد عُقد اللقاء في حرم الكلية الحزبية في ضواحي بكين. وتأتي الباحات الرقيقة داخل الكلية في مقابل الفن المعماري المبهرج الذي يميز وسط المدينة الجديد، حيث تنتشر فيه فنادق مترفة وبوتيكات فخمة.

وكانت مشاعر القلق التي تصاحب ثروة الصين الجديدة واضحة في قصة نشرت في صحيفة «الصين اليوم» الرسمية صبيحة اجتماعنا. وتناولت الصحيفة الاتجاه السائد بين الأثرياء الجدد في الصين لاستخدام حراس خصوصيين. ويبدو أحيانا أن اكتساب الثروة يجعل الناس فقط أكثر قلقا بشأن فقدانها.

وأوضح عدة مسؤولين صينيين حضروا اللقاء أن الصين تبدو متحفظة بشأن سياستها الخارجية جزئيا، لأن المسؤولين يركزون بدلا من ذلك على الحفاظ على النمو الاقتصادي الداخلي والحرص على سعادة عامة الشعب الذين يشعرون بالقلق بشكل محتمل. وقال مسؤول بارز اعترف بأن بكين تفكر أولا بالفعل في مشكلاتها الداخلية «أنا لا أقول إن الصين أنانية». وفي حالة كوريا الشمالية، تخشى الصين من أن الضغط على بيونغ يانغ سوف يبعث بلاجئين بائسين عبر الحدود.

وأثمر اللقاء عن ظهور علامات قليلة على التحرك. وبدأ أستاذ في المدرسة الحزبية برفض المطالب الأميركية للصين بتعديل سعر صرف عملتها. لكن بعد المزيد من المناقشات، قال هذا الأستاذ إن الصين ربما يمكن أن تقلل من فائضها التجاري عبر رفع مستويات الرواتب، لكي يتمكن العمال من شراء المزيد من الواردات من الولايات المتحدة؛ حتى إنه اقترح «آلية تنسيق» لتعزيز ظهور تجارة متوازنة.

وما يصيب المسؤولين الأميركيين بالإحباط هو أن الصين تبدو أحيانا مرتاحة بشكل أكبر للتكيف مع دولة أميركية قوية، كما فعلت في العقود الماضية، بدلا من الدخول في شراكة مع أميركا أقل سيطرة. وقد عنف مندوب أميركي الأستاذ الصيني على تعامله مع التنازلات المبكرة لإدارة أوباما على أنها علامات ضعف، وبسبب تقديم ادعاء هجومي جديد بأن منطقة بحر الصين الجنوبي تمثل «مصدر اهتمام رئيسيا» للصين.

وقال جوزيف ناي، الأستاذ بجامعة هارفارد والذي كان ضمن المجموعة الأميركية، إن المسؤولين الصينيين هنا حاولوا بصفة شخصية تخفيف المخاوف الأميركية عبر قولهم إنه كان هناك «سوء فهم» لتعليقات الصين على قضية بحر الصين الجنوبي.

وكانت هناك ملاحظة قدمها الصينيون والأميركيون هنا على حد سواء وهي «نحن في قارب واحد». وبدت هذه الملاحظة مشجعة، لكن القارب ينحرف هذه الأيام إذا لم يكن يغرق بالكامل، ويحتاج الجانبان إلى البدء في التجديف بانسجام.

وقد خرجت من هذا الاجتماع بنفس الصورة المختلطة التي شاهدتها وأنا أتجول في الصين منذ شهر - وهي أنه مع كل الرخاء والثقة الظاهرة لهذه الدولة، فإن قادتها منشغلون بمشكلات النمو الداخلي والاستقرار السياسي. وهم يرون المناقشات مع الغرب من خلال هذه العدسة الغائمة.

* خدمة «واشنطن بوست»