آثارنا المسروقة.. لا بد يوما أن تعود

TT

عندما بدأت حملة استعادة الآثار المسروقة من مصر.. أصيب العالم، وخاصة مجتمع الآثار والآثاريين، بالدهشة من قوة الدعوة والإصرار على عودة تراثنا المسروق. وجاء التصريح الأول، بل والدعوة الأولى لعودة الآثار إلى وطنها الأم من قلب المتحف البريطاني عندما دعيت لإلقاء محاضرة هناك.

وبعد المحاضرة قام مدير المتحف بدعوة المثقفين الإنجليز وبعض السياسيين إلى العشاء داخل قاعة تعرض بها الآثار المصرية، ومن ضمنها تمثال بديع للملك «رمسيس الثاني»، أعظم فراعنة مصر على الإطلاق، وتمثال آخر للملك «تحتمس الثالث» الملقب بـ«نابليون العصور القديمة»، الذي يرجع إليه الفضل في امتداد الإمبراطورية المصرية القديمة إلى شمال الأناضول وجنوبا إلى الشلال الرابع.. وبعد انتهاء العشاء قام مدير المتحف بإلقاء خطاب لطيف يرحب بي ويشيد بالعلاقات المصرية - الإنجليزية في مجال الآثار والتعاون بين المتحف البريطاني ومصر.. بعدها قمت بإلقاء خطاب للتحية والشكر، وبدأت كلمتي بأنني أعرف لغة الفراعنة، وقد تحدثت مع «رمسيس الثاني» و«تحتمس الثالث» وأنا أتناول طعامي على هذه المائدة، وقالوا لي إنهم يقيمون في بلاد الإنجليز منذ أكثر من 100عام وإنهم يفتقدون مصر ويشعرون بحنين للعودة إلى أرضها وشمسها ونيلها. وإنهم يشعرون بأن لهم دورا كبيرا خارج بلادهم في التعريف بالحضارة المصرية وما فعله أجدادهم وأحفادهم لبناء أعظم حضارة إنسانية علمت العالم كله معنى البناء والفكر، وكيف أن الفراعنة قد حكموا الأرض كلها بمبادئ الـ«ماعت»، التي كانت تمثل قيمة الحق والعدل والنظام.. ولكن قد آن الأوان بعد قرن من الغربة أن يعودوا إلى وطنهم.

واستطردت في حديثي بأن ملوك مصر من الفراعنة، وكذلك ملكاتها وأمراؤها وأميراتها وكبار موظفيها ممن لهم آثار منتشرة في كل متاحف العالم قد انتزعت من بيئتها الأصلية، إما عن طريق الإهداء أو التنازل الرسمي أو عمليات بيع وشراء قانونية، كان القانون المصري يسمح بها في زمن مضى، وأن هذه الآثار لا يمكن لمصر أن تطالب بعودتها مرة أخرى، حيث إننا ملتزمون باحترام كل المواثيق والمعاهدات التي وقعتها مصر في الماضي، حتى وإن لم تكن في صالحنا.. أما ما نطالب بعودته الآن فهو أي أثر خرج بصورة أو بأخرى غير قانونية، وأننا لن نتنازل عن هذا الحق سواء فيما يخص الآثار المصرية أو الآثار بصفة عامة، كتلك التي سُرقت من العراق مثلا.

واستكملت حديثي بأن هناك أيضا قائمة بست قطع أثرية رئيسية تتمنى مصر عودتها مرة أخرى، إضافة إلى الآثار المسروقة التي لا نعرف أعدادها.. وأن هذه القطع هي علامات على طريق الحضارة المصرية القديمة، وليس من العدل وجودها خارج مصر، وأنه وعلى الرغم من أن معظمها قد خرج بشكل قانوني، فإن مصر تتمنى عودتها مرة أخرى إلى أرضها وتعويض هذه المتاحف عنها بقطع أخرى.. ويأتي على رأس هذه القطع: حجر رشيد بالمتحف البريطاني، وهو بحق مفتاح الحضارة المصرية القديمة، ولوحة الزودياك بمتحف اللوفر، التي انتزعت من سقف معبد دندرة، ورأس الملكة نفرتيتي بالمتحف الجديد ببرلين، الذي خرج بطريقة غير شرعية على يد مكتشفه لودفيج بورخارت، وتمثال حم إيونو بمتحف هيلدسهايم، وهو عم الملك خوفو ومهندس الهرم الكبير بالجيزة، وتمثال عنخ حاف بمتحف الفنون الجميلة ببوسطن، وهو مهندس هرم الملك خفرع، وتمثال رمسيس الثاني بمتحف تورين وهو معجزة فنية لا مثيل لها.

انتهى حديثي وعلت الدهشة وجوه الحاضرين الذين لم يتوقعوا هذا الخطاب أو النداء بعودة آثارنا.. وكانت تلك هي البداية.