دروس الحرائق الإسرائيلية

TT

هل ستساعد طائرات إخماد الحرائق التركية التي تابعناها مؤخرا في الأجواء الإسرائيلية، وهي تطفئ حرائقهم، في تبريد العلاقات التركية - الإسرائيلية المشحونة والمتوترة، منذ أكثر من عامين في أكثر من مكان، وعلى أكثر من جبهة؟

لا خلاف على أن العامل الإنساني الذي دفع رجب طيب أردوغان لإرسال المساعدات العاجلة لإطفاء حرائق إسرائيل له علاقة مباشرة برد الجميل إلى الدولة العبرية، التي وقفت إلى جانب تركيا قبل 11 عاما خلال كارثة زلزال أزميت، الذي أودى بحياة آلاف الأتراك وخلف عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين، وكانت العلاقات الإيجابية في ذروتها يومها.

ولا شك أن حكومة العدالة والتنمية رفضت أي مقارنة بين تجاهل حكومة نتنياهو للبعد الإنساني، الذي رفعته قافلة الحرية شعارا، فقتل جيشها مدنيين أبرياء، ودمر وأحرق سفنهم في عرض المتوسط، ومسارعتها هي عند تلقي إشارات طلب المساعدة الإسرائيلية بالاستجابة لها، واضعة كل خلافاتها ومشكلاتها مع إسرائيل جانبا، ولا اعتراض على أن نجم الدين أربكان، الزعيم الإسلامي الذي عاد قبل أسابيع لقيادة حزب السعادة، بالغ جدا عندما اتهم تلامذته بأنهم «أداة بيد المؤامرة الصهيونية العالمية». وعلى الرغم من أن أردوغان أكد أن الهدف هو تلقين إسرائيل درسا جديدا في الإنسانية، دون التخلي عن مطالب الاعتذار والتعويضات، التي لا مساومة حولها، فإن الترجمة العملية، التي أعقبت الخطوة التركية خلال لقاء جنيف الأخير بين الدبلوماسيين الأتراك والإسرائيليين تؤكد أنه إلى جانب «إنسانية الموقف» فهناك رغبة ثنائية متبادلة في التهدئة والحلحلة.

مسارعة نتنياهو لتلقي الرسالة التركية الأخيرة على الرغم من إعلان أردوغان أن السياسة شيء، والإنسانية شيء آخر، والتعامل معها بالإيجابية نفسها من خلال اختياره قائد طاقم طائرة إخماد الحرائق التركية من بين كل الوفود الدولية المشاركة في العملية، لشكره على هذه البادرة وتذكيره أن الإسرائيليين بكاملهم يتابعون اليوم الطائرات التركية التي تعمل على إخماد الحرائق الإسرائيلية وتصريحات الرئيس الإسرائيلي بيريز، بأن المساعدة التركية جاءت تلقائية وأن الشعب الإسرائيلي يرى ما يجري بالعين المجردة وبكل تفاصيله. يعني أن الخطوة التركية قابلتها، على الفور، رغبة إسرائيلية في حماية الخيط الرفيع الذي يمنع القطيعة الكاملة والقادر على حماية العلاقة، على الرغم من استحالة إعادتها إلى سابق عهدها.

نتنياهو الذي قاد عملية إخماد النيران في غابات وأحراج الكرمل، يقود في هذه الآونة، وعلى ما يبدو عملية مماثلة على جبهة إخماد الحرائق في العلاقات التركية - الإسرائيلية، التي اندلعت منذ عامين ولم تتم السيطرة عليها بعد، فهل يكون له هذه المرة ما يريد بعدما فشلت أكثر من محاولة سابقة بسبب تعنت وتصلب شريكه في الحكم اليميني القومي المتطرف ليبرمان؟

بين السيناريوهات الأقرب التي تناقش اليوم يبرز احتمال أن تتقدم إسرائيل باعتذار مباشر إلى ذوي الضحايا وتعرض التعويض المادي على ما تسببت به والاكتفاء بإبداء أسفها لما جرى رسميا وإغلاق ملفات التحقيقات المحلية والدولية، وفتح صفحة جديدة من العلاقات تشمل إعادة السفير التركي إلى تل أبيب، كبادرة حسن نية من الجانب التركي. وسيناريو آخر لكنه الأصعب والأبعد احتمالا، هو أن تتحرك حكومة نتنياهو في ثلاثة اتجاهات: قبول تجدد الوساطة التركية بين تل أبيب ودمشق التي تجمدت بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ووصول نتنياهو وليبرمان إلى الحكم على الرغم من المسار الإيجابي الذي حملته هذه الوساطة على طريق الحوار والتفاوض، وتخفيف الحصار المفروض على مدينة غزة والتعهد الإسرائيلي باعتماد أسلوب انفتاحي إيجابي في التعامل مع وضع ومصير هذه المدينة، وتراجع حكومة نتنياهو عن سياسات توسيع رقعة الاستيطان في الأراضي المحتلة والتخلي عن لغة التصعيد والتوتير والاستفزاز الدائم، مما قد يطمئن قيادات العدالة والتنمية ويدفعها إلى مراجعة مواقفها ومطالبها ومقايضة الاعتذار والتعويضات بلغة إسرائيلية إقليمية جديدة تنهي معاناة الشعب الفلسطيني وأزماته. فما الذي ستختاره تل أبيب هذه المرة؟ أم أن خيارها سيكون مراوغة سياسية جديدة على الرغم من أن أنقرة قبلت أن تتحول إلى قاعدة لدول حلف شمال الأطلسي وجسر إمدادات إلى إسرائيل في التصدي لحرائقها الأخيرة دون تردد؟

ألسنة النار المندلعة في إسرائيل أسهمت في تسخين العلاقات المبردة بين البلدين، لكننا لا نعرف إذا ما كانت هذه السخونة تعني أن حكومة نتنياهو ستبحث عن فرصة حقيقية لرد الجميل التركي؟ الكرة مرة أخرى في الملعب الإسرائيلي، فهل ستستغل تل أبيب حرائقها للخروج من عزلتها الإقليمية والدولية وستعمل على الاحتفاظ قدر الإمكان بالطائرات التركية لجعلها مناسبة وفرصة لا يمكن التفريط بها، على طريق إعادة العلاقات شبه المقطوعة مع أنقرة.