لا حول ولا قوة إلا بالله

TT

في بدايات كتاباتي المتعثرة كنت أبعث بها لإحدى الصحف بالبريد، وبعد عدة مقالات (الله يعلم ما بها من اللغو) تفاجأت يوما برسالة من المحرر المسؤول عن المقالات، يشيد فيها بما أكتب، جاء فيها بالحرف الواحد: «ما أروع ما سطرت من الكلمات».

لا تصدقون ساعتها مقدار فرحتي بهذه الرسالة، التي جعلتني من دون مبالغة أقفز كما يقفز حيوان (الكانغرو)، متخيلا نفسي قد وصلت إلى قاب قوسين أو أدنى من عنان السماء، إلى درجة أن من شاهدني في تلك الحال أمسك بتلابيبي قائلا: إش فيك يا مشعل.. (انهبلت؟!). قلت له: أكثر وأكثر.

كنت أيامها في المرحلة الثانوية من دراستي، واكتشفت بعدها، ويا ليتني لم اكتشف..

والحكاية وما فيها أن تلك الرسالة لم تفارق جيبي أبدا، وكنت أحملها من ثوب إلى ثوب كلما غيرت ملابسي إلى أن يتهرأ، وفي أحد الأيام استعرضتها مزهوا أمام أحد أقراني ممن يتعاطون هواية الكتابة من أمثالي في تلك الصحيفة، وتفاجأت به يقول لي إن ذلك المحرر أرسل له أيضا رسالة مختصرة يقول فيها بالنص: «ما أروع ما سطرت من كلمات».

واكتشفت لاحقا أن ذلك المحرر، كان يرسل تلك العبارة التشجيعية لكل من (هب ودب) من الكتاب المبتدئين، وغالبا ما كانت مقالاتهم، مثلي، تنشر في بريد القراء.

بعدها لا تتصورون مدى الإحباط الذي لازمني، وعرفت ساعتها يقينا أنني (لا كعبا بلغت ولا كلابا)، فغضضت الطرف، وتوقفت نهائيا عن عبث الكتابة لعدة أعوام، و(حطيت حرتي) - مثلما يقولون - بالقراءة المرهقة والمضنية، (وتقليت على جمر الغضا)، موليا وجهي إلى حيث أعلم ولا أعلم، ولم أصل إلى الآن لما أريد أن أصل إليه، وهناك احتمال شبه مؤكد أنني لن أصل إليه، اللهم إلا إذا (حجت البقر على قرونها).

ولا أدري إلى الآن هل ذلك المحرر كان صائبا في عباراته التشجيعية المبرمجة تلك، أم إنه كان يريد أن يسد خانة لا أكثر ولا أقل؟!

* * *

قال لي: المرء الذي يعمل بيديه هو عامل، والمرء الذي يعمل بيديه وعقله هو حرفي، في حين أن الذي يعمل بيديه وعقله وقلبه فهو فنان.

فسألته: طيب، والذي يعمل بيديه وعقله وقلبه وضميره، ماذا يكون؟!

قال: هذا أشبه ما يكون بقديس.

فسألته مرة أخرى: طيب، ماذا يكون من هو مثلي: فأنا لا أعمل لا بيدي ولا بعقلي ولا بقلبي ولا بضميري؟!

قال لي: إذن اسمح لي أن أقول: إنك عربجي وحورجي وقليل أدب كمان، ولو كان الأمر بيدي لأقمت عيك الحد.

* * *

مشكلة التراث أن فيه الغث والسمين، وليس كل من كان من الصحابة معصوما من الزلل، فقد روى (المغيرة بن شعبة) رضي الله عنه أنه قال لأعرابي: من زنى تسع زنيات، وعمل حسنة واحدة محيت عنه التسع، وكتبت له الواحدة.

فقال له الأعرابي ما معناه: إذن هلم نتجر بالزنى.

لا حول ولا قوة إلا بالله.

[email protected]