أنهار من ذهب!

TT

جاء العرب إلى إسبانيا بالحراب، مثل كل مقاتل في كل حرب. لكنهم تركوا في الأندلس إلى اليوم، صورتين: صورة التسامح حيال الآخرين، وصورة القسوة ضد بعضهم البعض. قبلوا الإسبان، من مسيحيين ويهود، ونكلوا برفاقهم وأهلهم. ذهبوا إلى الأندلس راية واحدة، وأخذوا يتفرقون إلى رايات وأفخاذ وطوائف!

ترى هل هذه هي الصورة المصغرة اليوم في فلسطين؟ وهل هي الصورة المفزعة في العراق.. شراذم وطوائف، بينما المستعمرون يتفرجون؟ فمن كان له «أشقاء» من هذا النوع، هل يعود في حاجة إلى أعداء؟ استعاد الإسبان الأندلس من بين أصابع العرب، ثم خرجوا بعد هزيمة ثمانية قرون، يبنون إمبراطوريتهم، بينما انحسر العرب يفككون أطراف الإمبراطورية ويفتتون قلبها، مؤامرات وثورات وتخلف بعد طول تقدم!

أرسل الإسبان الإيطالي كولومبوس يكتشف العالم الجديد، وطفقوا يقتلون ويذبحون ويرتكبون المجازر في القارة الجنوبية، طالبين «أنهار الذهب». وكتب قائد العسكر في كولومبيا إلى مدريد: «احضروا حالا، الذهب هنا أكثر من الماء».

هكذا قال فانسكو نونيز دو بابلو إلى الملك فرناندو، عام 1513: «هناك ذهب أكثر من الماء وأكثر من الطعام وأكثر من الصحة! عاشت الإمبراطورية الإسبانية نحو 300 عام، متجاوزة أعمار الإمبراطوريات الأخرى: البريطانية. الفرنسية. الروسية. الهولندية. القرنان الخامس عشر والسادس عشر كانا الحقبة الإسبانية دون جدال».

بينما أقرأ تاريخ الإمبراطورية الإسبانية و«أنهار الذهب»، أفكر في شيء واحد: الأندلس. لا مجال لرواية أخرى: ابتدأت أمجاد إسبانيا الإمبراطورية مع سقوط غرناطة. بكينا كالنساء ملكا لم نحافظ عليه كالرجال. وطافوا هم يكتسحون الأمم: المكسيك. كوبا.. وقبلها جزر الكاريبي، ثم كل شيء آخر، فيما عدا البرازيل.

ويجب أن نلاحظ طبعا ما هو معروف. لقد خلقوا المجازر والإبادات في كل مكان. وارتكبوا من الإبادات الجماعية أسوأها في التاريخ وأكثرها دموية ووحشية. وعندما كنت صغيرا كان جدي، المهاجر ذات يوم إلى المكسيك، يروي لي في حزن، قصص الوحشية الإسبانية في البلد الذي عاش فيه بضع سنين.

عدت إلى تاريخ الإمبراطورية الإسبانية بعدما أثار المغرب قبل فترة قضية سبتة ومليلية. بلاد طارق بن زياد تطالب ببلدتين لصيد السمك. فقدنا الأندلس تحت أقدام الطوائف. وهكذا يضيع أمامنا العراق. وحمى الله البقية من نيات إسرائيل، ومن تخلفنا الأكثر سوءا!