قطر

TT

كتبت منتقدا بعض مواقف السياسة الخارجية القطرية، ولا أزال أنتقد تبايناتها الحادة أحيانا مع شقيقاتها الخليجيات في بعض المواقف، لكن النقد لا يخلف للود قضية، فلقطر وشعبها مكانة خاصة في قلبي وفي نفسي، ولها إعجاب لا يمكن لأشد منتقديها أن يخفيه. قطر الدولة التي يصدق فيها المثل الشعبي: «الحي يحييك، والميت يزيدك غبن». فلقطر دوما «طلعاتها» كما نقول بالخليج، ومعناها فنونها وإبداعاتها، فمن مدينة جامعية تضم فروع أرقى الجامعات في العالم، إلى مدينة طبية تضاهي في خدماتها أرقى المستشفيات في العالم، إلى أخرى رياضية تقدم أحدث الإمكانات الرياضية في العالم. وأخيرا - وأنا متأكد أنها لن تكون آخر طلعات قطر - نجحت في استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. وهو الحدث الرياضي الأكثر شهرة في العالم، حيث سيضع قطر على خارطة العالم بتميز، ويخرج المنطقة من نمطية الإعلام الضيقة والظالمة أحيانا. يذكر أن قطر نجحت نجاحا باهرا في استضافة دورة الـ«آسياد»، وستستضيف كأس آسيا الشهر المقبل «كبروفة» مصغرة لكأس العالم.

عُرف القطريون مثل معظم أهل الخليج بأنهم شعب مضياف ودود، وهم أناس مسالمون بطبيعتهم، ولديهم ثقافة تكونت عبر عقود بتقبل الآخر المختلف. الزائر لقطر يراها تحولت إلى ورشة عمل لا تتوقف ليل نهار.

اسم دولة قطر مشتق من القَطْر بمعنى المطر، وقيل إنه نسبة إلى الشاعر قطري بن الفجاءة. خبر فوز قطر باستضافة كأس العالم كان خبرا على القلب يشبه القَطر بالشامي، وهو السكر المذاب المغلي الذي عادة ما يضاف للحلويات والكنافة. «الأطر» بقلب القاف همزة في لهجة أهل الشام تعني السكر، لكنها بمصر تعني القطار.

عبر عن ذلك الشعور «الحلو» رياضي كويتي سمع بخبر الاستضافة القطرية مع صافرة الحكم النهائية بفوز الكويت على العراق في الدور قبل النهائي لـ«خليجي 20»، فلبس العلم القطري بدلا من الكويتي تعبيرا عن فرحته بفوز قطر بالاستضافة، التي من الواضح أنها غطت حتى على فرحة فوز الكويت على العراق.

وكلمة القطار أحد مشتقات قطر، فالإبل تقطر، بمعنى تربط وراء بعضها بعضا، ويسمي البدو بيوت الشعر المبنية على خط واحد «قاطور»، وتقاطر القوم أي جاءوا تباعا. ومنها جاء القاطور بمعنى التمساح، ولعلها استمدت من معنى القطارية، وهي الحية التي تقطر سما، فالتمساح والحية من فصيلة واحدة: زواحف من ذات الدم البارد. والإنجليزية الأميركية أخذت القاطور (alligator) لكلمة تمساح.

ومن قطر اشتق اسم المقطار، وهي السحب الكثيرة المطر، والمطر فأل خير في ثقافتنا، ومؤشر على مواسم الربيع والخضرة، وكثيرون يستبشرون بالقطر الاقتصادي باستضافة قطر لكأس العام 2022، حيث يسبقها بناء وحركة وانتعاش اقتصادي لدولة قطر وما جاورها.

ويبدو أن نجاح قطر الكبير، وهي الدولة الصغيرة بحجمها، على حساب الولايات المتحدة الأميركية قد أغاظ الرئيس الأميركي أوباما، فقال قولا قُطْرة - أي تافه وكريه - مستنكرا استضافة قطر للدورة!.. وسرت رسائل بالهواتف النقالة تسائل الرئيس الأميركي بخبث: أيهما أكثر غرابة، أن تستضيف قطر كأس العالم، أم أن يرأس أميركا رجل أسود اسمه باراك حسين أبو عمامة؟

والقطرة للأنف أو العين لأنها تنقط تنقيطا، ويقال بالدارجة: «كلامك ينقط عسلا».

نجاح قطر في استضافة كأس العالم، نجاح لنا جميعا كعرب، وفرصة يركز فيها العالم شاشاته على دولة عزيزة علينا جميعا، ومناسبة نادرة لنقوم بأنسنة صورتنا وصورة المنطقة التي «صبغتها» الحروب والتطرف وتفريخ ثقافة الإرهاب. هذه الفرصة قد لا تتكرر في القريب، فعلينا استغلالها أحسن استغلال. فهل نفعل.. أم نضيعها مثل غيرها من الفرص الضائعة؟