ماذا سيفعل عباس؟ ماذا سيفعل العرب؟

TT

ليس صحيحا القول: إن الإدارة الأميركية قد تراجعت عن مطالبة إسرائيل بوقف مؤقت للاستيطان من أجل الذهاب إلى المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين.

الصحيح هو القول: إن الإدارة الأميركية قررت التبني الكامل للخطة الإسرائيلية، خطة بنيامين نتنياهو بالذات، في كل ما يتعلق بالتسوية السياسية مع الفلسطينيين. خطة نتنياهو للتسوية أعلنها مع بدء الحديث عن العودة إلى المفاوضات برعاية أميركية. أعلنها يوم قال إنه يرفض العودة إلى المفاوضات بناء على شروط معلنة، وإنه يريد مفاوضات من دون شروط مسبقة، لا حول الحدود، ولا حول الاستيطان، ولا حول أي شيء آخر. ويومها قبلت واشنطن شروطه وذهبت إلى المفاوضات غير المباشرة. ولم يكن هذا كله سوى الأمور الإجرائية المتعلقة بخطة نتنياهو، أما جوهر خطة نتنياهو فكان إعلانه أنه يريد التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق مبادئ، أو اتفاق إطار، أو اتفاق مرحلي، حول الدولة الفلسطينية وقضاياها، ثم يتم تنفيذ هذا الاتفاق في مدة عشر سنوات.

هذه هي خطة نتنياهو، وهذا هو ما وافقت عليه الإدارة الأميركية، ولتأكيد ذلك نلجأ إلى قراءة متأنية في المواقف المختلفة المعلنة في السنوات الخمس الماضية؛ حيث نجد تأكيد هذه الخطة في المواقف الإسرائيلية، ونجد التأييد لهذه الخطة في المواقف الأميركية، والعجيب أننا نجد تأييدا لهذه الخطة الإسرائيلية - الأميركية في بعض المواقف العربية أيضا.

نقرأ أولا الموقف الأميركي كما أعلن رسميا، وجاء فيه على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية قوله: لقد قررنا أن تجميد الاستيطان لن يزودنا بأرضية صلبة لاستئناف مفاوضات مباشرة مستدامة وذات مغزى. وجاء فيه أيضا، وهنا بيت القصيد، قوله: نبقى مركزين على هدف التوصل إلى (اتفاق إطار) حول قضايا الحل الدائم. هذا هو جوهر الموقف الأميركي الجديد، العمل للتوصل إلى (اتفاق إطار) كما طلب نتنياهو منذ اللحظة الأولى.

ونقرأ ثانيا في الموقف المصري، كما أعلنه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط في بلغاريا في بيان صحافي، جاء فيه: إن رباعي الوساطة (دول اللجنة الرباعية الدولية)، يجب أن يضع (اتفاقية إطار)، تحدد حدود دولة فلسطينية، ووضع القدس الشرقية، مع ضمان أمن إسرائيل. وقال: إن الاتفاقية يمكن أن يصوغها الأميركيون، أو رباعي الوساطة، أو مجموعة من الخبراء، لتفاهم كبير يقدمه المجتمع الدولي لكل من الطرفين، مع تحديد وقت للتوصل إلى اتفاق. وهذه الجملة الأخيرة (أي: تحديد وقت) هي النقطة الوحيدة الجديدة في الموقف المصري. وهي بناء على هذا الموقف طلبت من الرئيس محمود عباس التمهل قبل قرار الذهاب إلى مجلس الأمن، كما أعلن سابقا عن البدائل التي لديه إذا لم يتم وقف الاستيطان.

ونقرأ ثالثا الموقف الإسرائيلي، وهو موقف أعلنه الجنرال شاؤول موفاز، رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي، في مؤتمر صحافي عرض فيه خطة سياسية للسلام من مرحلتين، قال فيه: أقترح كخطوة أولى السعي إلى (اتفاق مرحلي)، نعلن خلاله إقامة دولة فلسطينية (من دون رسم الحدود) تسبق المفاوضات حول القضايا الجوهرية، مع ترسيم الحدود بشكل (تدريجي). وقسم موفاز خطته إلى مرحلتين، يتم في المرحلة الأولى إنشاء الدولة الفلسطينية على نحو 66% من الضفة الغربية، بالإضافة إلى قطاع غزة، ومن دون إخلاء مستوطنات إسرائيلية، مع ضرورة الاعتراف بسلطة دولة إسرائيل على كتل الاستيطان في الضفة الغربية، ومع ضرورة التسليم بالحد الشرقي (أي: حد نهر الأردن بعمق 14 كم، كما هو معلن) لدولة إسرائيل كحد ضروري للحفاظ على أمن إسرائيل. وتبدأ بعد ذلك مفاوضات مع الفلسطينيين حول (المواضيع الجوهرية) كالقدس واللاجئين والترتيبات الأمنية.

أما المرحلة الثانية، حسب خطة موفاز، فيتم فيها تطبيق التسوية في (المواضيع الجوهرية)، ولن يكون هذا التطبيق فلسطينيا - إسرائيليا، بل يحتاج، حسب قول موفاز، إلى «ترتيبات سياسية بين الدول، وإقامة سلام شامل في المنطقة». وهذا يحتاج طبعا إلى زمن أطول، وهو الزمن الذي قدره نتنياهو سابقا بعشر سنوات.

ويتطرق موفاز، في خطته هذه، إلى أمرين: القدس وقضية اللاجئين. حول القدس يقول: «الحفاظ على الوضع القائم (أي: القدس جزء من إسرائيل).. وإدارة المفاوضات لإيجاد (حل مبدع) بالنسبة لسير الحياة اليومية». والحل المبدع هذا هو الكلمة الملطفة للقول بالسيطرة الإسرائيلية على المدينة. أما حول قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فهو يقول بالحرف الواحد: «ترك حل مشكلة اللاجئين إلى منظومة دولية، تركز على حلول، وإعادة تأهيل، لا تشتمل العودة إلى مناطق إسرائيل». ويعني هذا أن الحل الإسرائيلي بعد عشر سنوات يستثني القدس واللاجئين، ولا يشمل إلا 66% من الضفة الغربية.

ما الذي يجمع بين هذه المواقف الثلاثة: الأميركية والعربية والإسرائيلية؟ يجمع بينها أمر واحد هو (الحل المؤقت) أو اتفاق إطار، أو اتفاق مبادئ. ومهما اختلفت التسميات فالمضمون واحد. وهذا الحل الذي يريد، حسب الإسرائيليين، ضم ثلث الضفة الغربية، يعني أن الدولة الفلسطينية المؤقتة، التي سبق لعباس أن رفضها بشدة، هي المطروحة للبحث، وهي ستقوم خارج جدار الفصل العنصري الذي تم بناؤه، واستولى سلفا على ما يوازي نسبة الثلث من الضفة الغربية.

طبعا.. يعرف الرئيس محمود عباس، أكثر من غيره، ما يعنيه هذا الحل. وهو يواجه الآن قرارا وصفه هو بالصعب. فهل سيقبل هذا الخيار، أم سيرفضه؟ تصريحاته تدل على أنه في حيرة من أمره، فقد أرسل صائب عريقات إلى واشنطن ليعرف بالضبط ما هي خطة العمل الأميركية. وقد ذهب إلى مصر للتداول معها بالموقف، وقدمت له هناك نصيحة التريث مع وصايا أحمد أبو الغيط في تصريحه المكتوب. وقد طلب عقد لجنة المتابعة العربية التي دفعته سابقا باتجاه التفاهم مع واشنطن، والبقاء في فلكها مرتين، ومن غير المستبعد أن تدفعه للأمر نفسه مرة ثالثة. فهل سيقبل عباس؟ السؤال صعب، والجواب أصعب؛ فهو أمام خيار يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبالحقوق الفلسطينية، وبالتاريخ الفلسطيني، وبمصير شعب من عشرة ملايين إنسان.. فماذا سيختار؟

إذا ذهب ليسأل «المندوبين» العرب في الجامعة العربية، فالجواب معروف؛ لأنه لا أحد منهم يرغب بأن يتقدم الصفوف ليناطح أميركا، أما إذا ذهب ليطرح خطة نضالية فلسطينية جديدة، فسيحرج العرب جميعا، وسيضعهم أمام مسؤولياتهم، وسيبرئ نفسه أمام التاريخ، تماما كما فعل عرفات بعد مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، فماذا سيفعل عباس؟

السؤال صعب.. والجواب أصعب.