اغتيال عالم أم إعلان حرب؟

TT

أجمعت الصحف الغربية في الأسبوع الماضي، على أن المخابرات الإسرائيلية هي التي قامت بعملية اغتيال العالم النووي الإيراني مجيد شهرياري وجرح زميله فريدون أباسي في شوارع طهران الأسبوع الفائت (انظر «الإندبندنت» البريطانية 30/11/2010، و«الغارديان» البريطانية 2/12/2010 و6/12/2010، و«هآرتس» 4/12/2010). كما أكد ذلك مقال نشر في مجلة «التايم» البريطانية بأن فرق الاغتيال التابعة للموساد الإسرائيلي، بالتعاون مع قوى مخابراتية أميركية وغربية، هي التي نفذّت عملية الاغتيال في طهران «من أجل إبطاء البرنامج النووي الإيراني كبديل عن الضربات العسكرية المباشرة لإيران». ومن الملاحظ أن ثلاثة أحداث قد وقعت يوم 29/11/2010، أولها: تسريب وثائق ويكيليكس تتعلق معظمها بـ«القلق» من البرنامج النووي الإيراني، وثانيها: اغتيال العالم الإيراني شهريار مجيدي وجرح آخر، وثالثها: تعيين تامير باردو رئيسا جديدا لأحد أكثر أجهزة المخابرات في العالم تورطا بالاغتيالات، وهو جهاز الموساد الإسرائيلي. وقد تفاخرت بعض الصحف الغربية، والإسرائيلية، بأنّ اغتيال العالم النووي الإيراني يعتبر «آخر هدية يقدمها رئيس الموساد السابق مائير داغان»، والذي يعتبر هذا الاغتيال خاتمة إنجازاته.

ولم تكن أي من المصادر الإسرائيلية على استحياء من أن جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي المعروف باسم «موساد» لديه فرق الموت، والتسميم، والاغتيال التي تقتل من تسميه الحكومة الإسرائيلية عدوا لها من الفلسطينيين والعرب، وحتى الغربيين، كما تم من قبل الاعتراف بأن الموساد الإسرائيلي، كان وراء قتل العالم النووي الإيراني أردشير حسنبور، الذي توفي عام 2007 من تسمم بالغاز. ويقول مسؤول استخباراتي أوروبي لم يكشف عن اسمه: «لم تبدِ إسرائيل أي تردّد في اغتيال علماء الأسلحة لأنظمة معادية في الماضي، فقد فعلوا ذلك في العراق، وسوف يفعلون ذلك مع إيران كلما استطاعوا» (جريدة «التلغراف» 16 فبراير 2009). وبالفعل اغتال قتلة الموساد علماء مصريين وعراقيين سابقا، كما اغتالوا صحافيين وسياسيين، وحتى شعراء ومثقفين.

ويضيف ريفا بهالا، المحلل السياسي، العامل مع شركة مخابرات أميركية خاصة: «إن الاستراتيجية الإسرائيلية هي التخلص من أناس مفتاحيين» («التلغراف» 16 فبراير 2009). ويضيف المحلل الإسرائيلي يوسي فيلمان: «إن إسرائيل هي جزء من جهود دولية مفصلة ومدروسة لإبطاء البرنامج الإيراني» (المصدر السابق نفسه). كما تتفق المصادر أن الموساد الإسرائيلي يقوم بعمليات الاغتيال هذه بالتوافق والتعاون مع الاستخبارات الغربية، التي تشاطر إسرائيل الهدف نفسه، كما حدث عند التخطيط وتنفيذ اغتيال المبحوح في دبي.

ولن تكون حادثة اغتيال شهريار مجيدي الأخيرة على قائمة الاغتيالات التي تخططها إسرائيل ضد طهران، أو أي بلد مسلم، أو عربي، كما أن الاغتيالات لن تكون الأسلوب الوحيد لمحاولة زعزعة استقرار البلدان الإسلامية، وتشتيت جهودها عن البحث والتطور العلمي الذي تبتغيه، رغم أن هذا الأسلوب اتبعته بشكل فعال في لبنان، عندما شنت حملة اغتيالات لشخصيات محددة بهدف توجيه التهم لحزب الله.

وقد كشف تقرير أعدته دائرة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأميركية (3/3/2009) النقاب عن أن جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) تمكن حتى الآن بالتنسيق مع القوات الأميركية في العراق، من اغتيال (350) عالما نوويا عراقيا، بالإضافة إلى أكثر من (300) أستاذ جامعي آخر في مختلف الاختصاصات العلمية، ومئات الضباط والطيارين وخبراء صنع وإطلاق الصواريخ. وأوضح التقرير الأميركي أن عناصر فرق الموت التابعة للموساد، الذين ينشطون في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، مهمتهم الأساسية، هي تصفية العلماء النوويين العراقيين المتميزين، والمهندسين من المدنيين والعسكريين السابقين، بعد أن فشلت جهود واشنطن في استمالتهم للتعاون والعمل في الولايات المتحدة.

ما تفيد به معظم التقارير المنشورة حول هذا الموضوع، هو أن جهاز الموساد الإسرائيلي، يعمل بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية، ولذلك فمن السذاجة بمكان أن يطلب العرب، أو يتوقعوا، إدانة من أي طرف غربي لعمليات القتل المتعمد الذي تقوم به إسرائيل.

بعد كل تسريبات «ويكيليكس»، أصبح واضحا، أن النظم الغربية تبرر ما تريد تبريره حين تريد، وكيف تريد، غير آبهة بحقوق الإنسان، أو مصالح الشعوب، أو الدول، أو القانون، وأنها تعامل أصحاب الجنسيات الأخرى بمعايير مغايرة تماما لأصحاب جنسيات دولها، وأن التعامل بشكل عام لا يخلو من عنصرية، وفوقية غربية، ترفض طموحات الشعوب ودأبها لتحقيق المساواة في العلم، أو العمل، أو العدالة، وإلا فما الذي يمنع الدول العربية من أن تمتلك المعرفة النووية، ما دامت قد وقعت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، في حين أن إسرائيل والولايات المتحدة لم توقعا المعاهدة، ويقومان باستخدام هذه الأسلحة حيثما ومتى يريدان؟ وما الذي يمنع العراق وأمثاله أيضا من أن يكون لديه علماء متميزون؟ لا شك أن معركة العلم والمعرفة اليوم هي المعركة الأشدّ حسما بين أمتنا وأعدائها، ومن الواضح أن إسرائيل ومنذ عقود تغتال خيرة الشباب العربي في مصر، ولبنان، والعراق، وفلسطين، وفي أي مكان من العالم، وتعتقل في سجونها السرية، والعلنية، طليعة الرجال، والنساء، وحتى الأطفال العرب، خوفا من أن يصبحوا قادة في المستقبل ويصنعوا مستقبلا بعيدا عن العنصرية، والاحتلال، والقتل، والاغتيال، مستقبلا لن يتمكّن جهاز الموساد من اغتيال أبنائه بغية طمس معالم العلم والحضارة.

من هذا المنظور، علينا أن نقرأ خبر انسحاب الولايات المتحدة من مطالبة إسرائيل بتجميد الاستيطان يوم الثلاثاء 7/12/2010، وفي الوقت الذي لم يسجل الإعلام العربي وقفة جادّة مع خبر كهذا، والذي يعتبر بداية النهاية بالنسبة لادّعاء الولايات المتحدة أنها قادرة أن تكون «وسيطا نزيها» للسلام بين العرب والإسرائيليين، هذا الادّعاء الذي تكذّبه حقيقة التمويل الأميركي لترسانة أسلحة الدّمار الشامل الإسرائيلية، وكذلك للاستيطان الإسرائيلي، وسدّ منافذ العيش أمام العرب، عبر دعم الحصار الإسرائيلي الوحشي على المدنيين في غزة، ومنعهم من السعي للبقاء على أرضهم أو استعادة حقوقهم المشروعة. لقد أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة سلّمت إسرائيل مقاليد سياستها تجاه الشرق الأوسط، بل رفعت يديها مستسلمة لرغبات إسرائيل في القتل والاستيطان، وأن الغرب يعمل بالتعاون مع إسرائيل ضد العرب وضد المسلمين متى ما أرادت حكومة إسرائيل قتل المزيد منهم، ولكن الجديد في الموضوع، هو، ربما، انتهاء الشكل القديم للحروب، لأنها أثبتت أنها حروب مكلفة، وغير مجدية، وخاصة بعد الحرب على العراق عام 2003، وعلى لبنان عام 2006، والحرب على غزة في 2008 - 2009، والحرب المستمرّة في أفغانستان، والتي يغرق الغرب في مستنقعها دون أن يجد مخرجا له.

إذن القتل، والاغتيال، والتخريب، والتجسس، هي الأساليب الرسمية من الآن فصاعدا التي تستخدمها إسرائيل وحلفاؤها الغربيون لزعزعة استقرار البلدان العربية والإسلامية، التي تعتزّ شعوبها وحكوماتها باستقلالها واستقلال قرارها، وتعمل على حمايته بكل الوسائل الممكنة، ألا يعني هذا أيضا أن المقاومة، بمختلف أشكالها، لهذا التحالف الدموي الشرير الموجه ضد العرب، والتي أثبتت فعاليتها وجدواها ضد الترسانة العسكرية الإسرائيلية، هي أيضا الأسلوب الأجدى لمواجهة حروب اليوم من أجل تحقيق الاستقلال والحفاظ عليه، ونيل الحرية والدفاع عنها، وتحقيق التقدّم العلمي للشعوب؟