اللعبة النووية الإيرانية

TT

بعد أن عرقلته إيران لأكثر من عام، عقد أخيرا في جنيف مطلع هذا الأسبوع الاجتماع المخصص لمناقشة ملف إيران النووي. وقد اتفقت الأطراف المشاركة في هذا الاجتماع «على عدم الاتفاق» على أي حل جوهري.

وكان الاجتماع عاديا للغاية، حيث بدا أن المشاركين قنعوا بمجرد عقد الاجتماع الأول من نوعه منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2009. ولذلك، فإن النقطة الوحيدة التي تم التوصل إليها هي الاتفاق على أن يعقد الاجتماع الثاني في يناير (كانون الثاني) في اسطنبول، مما يعني استيفاء الشرط الذي أعلنه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد.

إن إيران هي البلد الذي يقرر من تلقاء نفسه أين وماذا ومع من يناقش. إنها رائدة لاعبي الشطرنج المبتدئين بتدخلاتها وخطواتها الساعية لشراء الوقت. لقد بدأ البرنامج النووي لهذه الدولة الجارة عام 1995. وعقدت أول مفاوضات جدية مع «المجتمع الدولي» بعد 10 أعوام، في عام 2005. وعقدت جولة ثانية من المفاوضات مع مجموعة «5+1» التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، وذلك بعد توقف دام 4 أعوام لينتهي في أكتوبر عام 2009.

وخلال ذلك الاجتماع، وافقت إيران على ما يبدو على تبادل مخزونها من اليورانيوم المخصب، وبالتالي وضع حد لقدرتها على صنع قنبلة ذرية. لكن ما أن انفض الاجتماع حتى أعلنت إيران رفضها للاتفاق. وهذه المرة في جنيف أبلغت إيران مجموعة «5+1» التي اصطفت أمامها في بداية اللقاء أنها ستناقش موضوع تبادل الوقود النووي فقط مع مجموعة مؤلفة من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، على أن يكون ذلك متماشيا مع إعلان طهران الذي تم التوصل إليه مطلع هذا العام بوساطة من البرازيل وتركيا.

وقد لاحظنا، قبل اجتماع جنيف، عددا من التحركات المتبادلة، فبعد مقتل اثنين من علماء الفيزياء النووية الإيرانيين عام 2007 وأوائل هذا العام، تعرض اثنان من العلماء الذين يعملون في البرنامج النووي الإيراني للهجوم من قبل مجهولين يوم الاثنين الموافق 29 نوفمبر (تشرين الثاني). ووفقا لمصادر إسرائيلية، فإن ماجد شهراري، الذي لقي حتفه في الهجوم، كان يقود الفريق الذي يحاول القضاء على فيروس «ستاكسنت» الذي اخترق نظم التحكم النووية والعسكرية الإيرانية. ووفقا للمصادر نفسها، فإن «ستاكسنت» استطاع أن يعوق إنتاج الوقود النووي من مفاعل ناتانز وإجراء مناورات عسكرية خلال الفترة ما بين 16 إلى 22 نوفمبر. وكان عالم الفيزياء النووية فريدون عباسي دافاني، الذي أصيب في الهجوم، عميدا في جامعة الحرس الثوري.

وردا على ذلك، أعلنت إيران، يوم الأحد الماضي، وقبل أن يرتقي وفدها لاجتماع جنيف الطائرة، أنها أصبحت تمتلك كميات كافية من المواد النووية تسمى «الكعكة الصفراء». وفي جنيف التزمت لهجتها الصارمة فيما يتعلق بالأمور التي تفضل مناقشتها.

وعلى الرغم من أن دبلوماسيا من مجموعة «5+1» أصر على مناقشة القضايا النووية في اجتماع اسطنبول، أعلنت إيران بعد الاجتماع من خلال كبير مفاوضيها سعيد جليلي أنها لن تناقش القضايا النووية، بل مخزون الأسلحة النووية الذي يمتلكه الغرب وإسرائيل. وفي طهران، طلب أحمدي نجاد إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران لكي تشارك طهران في اجتماع اسطنبول المقبل. وكانت الأمم المتحدة، وهي المضيفة للاجتماع، هدفا لسهام إيران لأنها كانت قد وضعت الفيزيائي، الذي نجا من الهجوم الأخير، على قائمتها السوداء منذ 3 سنوات بسبب اتهامه بالقيام بأعمال نووية محظورة. وجاءت الحركة التالية على رقعة الشطرنج المتوترة من دبلوماسي إيراني حصل على حق اللجوء السياسي في النرويج، حيث كشف أن علماء كوريين شماليين كانوا يتعاونون مع إيران.

ورقعة الشطرنج هذه التي يلعب عليها هؤلاء المتمرسون لم تترك مساحة كافية لجهود الوساطة التي تقوم بها تركيا. وعلى الرغم من اهتزاز ثقة مجموعة الخمس في تركيا بعد تصويتها بـ«لا» عند تصويت مجلس الأمن الدولي على فرض عقوبات على إيران، فإن ثقة «صديقتها وجارتها» لم تكن مختلفة.

انظر إلى محتوى وأسلوب هذا الخبر الذي بثته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «فارس» بتاريخ 6 ديسمبر (كانون الأول): «لقد بدأ رئيس الوزراء التركي، الذي غير فجأة موقفه بشأن الدرع الصاروخية التي يسعى لإقامتها حلف شمال الأطلسي، بدأ يتبع سياسات ثنائية مع إسرائيل الصهيونية! إن تركيا تتبنى سياسة ثنائية مع بداية (دبلوماسية النار) في العلاقات التركية الإسرائيلية وتحاول الاقتراب مع إسرائيل التي تمارس أعمال قرصنة، والتي أعلنت مرارا أنها لن تعتذر، على الرغم من أنها قتلت 9 أتراك، وكان لهذا وقع الصدمة على الذين كانوا يعتقدون أن تركيا معارضة لهذا النظام القاتل». لا تعليق!

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية