حكومة شراكة ولكن..

TT

منذ السابع من مارس (آذار) في هذا العام ولحد اليوم نشهد مفاوضات وتحاورا بين القوى السياسية والشخصيات القيادية بخصوص تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وتقاسم السلطة وتوزيع الحقائب الوزارية وأشياء كثيرة اختلف فيها المتفاوضون، إلا أن السمة البارزة لهذه المفاوضات هي أن السياسيين لم يتفقوا على شيء بقدر اتفاقهم على ضرورة مشاركة الجميع في حكومة الشراكة الوطنية. لنسجل غيابا آخر للمعارضة البرلمانية لأربع سنوات قادمة.

ويبدو أن الهروب من دور المعارضة قد جاء عبر قناعة البعض بأن البقاء في السلطة التنفيذية سيكون الوسيلة الأفضل للترويج للبرامج الانتخابية وأن عدم الوجود في الحكومة يعد سقوطا وهزيمة سياسية ستتسبب في ابتعاده عن المشهد العام للعمل السياسي، بفهم مغلوط بأن خدمة المواطن لا تأتي إلا عن طريق الوجود في هذه السلطة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا يعد استخفافا بوعي المواطن وبثقافته الانتخابية عندما يتصور البعض أن الناخب العراقي سيكون غافلا عما يجري في المشهد السياسي وأنه بعيد عن فهم دور المعارضة.

ولا يخفى على أحد أن جميع الديمقراطيات الأصيلة في العالم تحرص على وجود معارضة سياسية تأخذ دور الرقيب والموجه لعمل الحكومات. ويختلف البعض في تعريفها، والسبب في هذا يعود إلى اختلاف هذا المفهوم بين طرف وآخر تبعا لإطاره السياسي وثقافته التي يستمد منها منظومته المعرفية. وهذا يسمح بظهور الكثير من الرؤى والآراء المختلفة التي يرى بعضها في تعريف المعارضة أنها قيمة سياسية ديمقراطية تفرض نفسها على أي عملية سياسية ناضجة تكون فيها المعارضة هي الوجه الآخر للحكومة والمرآة التي ترى هذه الحكومة أداءها من خلالها. ويضع البعض المعارضة في خانة معناها اللغوي ويضع تحت عنوانها كل من عارض أو اعترض على الواقع القائم، دون النظر إلى أهداف هذه المعارضة أو بنيتها.

وفي التجربة العراقية نجد أن الكثير من مستلزمات الديمقراطية ما زالت لم تتحقق، وفي مقدمتها عدم وجود هذه المعارضة التي تعد الممثل الشرعي لرقابة الشعب على الأداء الحكومي والصوت الذي يسعى لتحقيق الازدهار والنمو من خلال إيصال المطالب الشعبية إلى السلطات التشريعية والتنفيذية في الدولة والاشتراك في العمل التشريعي خدمة لقضايا المواطن من خلال وجودها في البرلمان.

ويرى البعض أن تاريخ الأحزاب المشاركة في العملية السياسية والموروث السابق لها يجعلها تتخوف من الانخراط في هذا الدور الذي قد مارسته سابقا عبر معارضتها للنظام السابق وعبر عقود من التهميش والتهجير والخوف وتقديم التضحيات.

ولا بد هنا من التمييز بين الدورين، فالمعارضة في زمن النظام السابق كانت تقوم بها قوى سياسية لا تؤمن بالنظام السياسي آنذاك وتعمل على تغييره وإسقاطه لأنه كان لا يمثل إرادة الشعب بل كان يتسلط على رقاب أبنائه في أسوأ أنواع الديكتاتوريات في المنطقة. أما المعارضة الحالية فهي نابعة من العمل الديمقراطي داخل العملية السياسية مع اعتراف بشرعية النظام السياسي الحاكم والعمل على تقويمه خدمة للمصلحة العامة.

واليوم، ونحن نعيش مرحلة تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية والمناصب، نجد الجميع يتجه صوب الاشتراك في هذه الحكومة كخيار لا بديل عنه وهدف لا مناص عن تحقيقه. لتبقى التجربة الديمقراطية العراقية تفتقد من يجلس على مقاعد المعارضة لدورة جديدة وسنبقى ننتظر حتى يكتسب السياسي العراقي ثقافة المعارضة وتترسخ لديه المفاهيم والقيم الديمقراطية.

حتى ذلك الحين سيبقى دور الرقابة متروكا لمؤسسات أخرى كالإعلام ومنظمات المجتمع المدني التي أثبتت خلال الفترة الماضية فاعليتها من خلال عدة مبادرات تعد جديدة على الواقع العراقي، ومنها مبادرة الدفاع عن الدستور، واليوم تأتي مبادرة الراصد البرلماني التي تحاول من خلالها مراقبة الأداء البرلماني الذي شهد في الدورة السابقة ترهلا واضحا بغياب الرقيب. وكل هذا دليل على النجاح في بناء مجتمع مدني صحيح تلعب فيه هذه المنظمات دورها الإنساني بكل كفاءة إضافة إلى دورها السياسي بغياب المعارضة السياسية الحقيقية ليكون بديلا مؤقتا نتمنى أن لا يطول بقاؤه في هذا الدور..

* كاتب عراقي