«الرخام» عليكم!

TT

معيار المصداقية في إسرائيل هو مسألة أقرب للخيال من كونها واقعا، فالكذب ولي الحقائق أصبحا وسائل تمارس بشكل مستمر لـ«ضمان بقائها»، وهي دوما ما تنشر شعارات مرحلية وتغذيها بحملات من التصاريح والاجتماعات والبيانات لتكريس صورة ذهنية معينة لدعم هذا الشعار المرحلي.

وطبعا حاليا تعتبر «إيران عدونا» شعار المرحلة الحالية بامتياز، ولا يمل ولا يكل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته المثير للجدل ليبرمان، من تكرار ذلك بأشكال مختلفة، ولكن شيئا ما ساخرا وطريفا وعجيبا يحدث في إسرائيل اليوم يخص هذا الشعار.

هناك إقبال مهول على اقتناء واستخدام الرخام الإيراني ذي اللون الخاص المخلوط بين الرمادي والبيج، والمعروف باسم «حجر جوهرة»، وهو اليوم يكسو واجهات وأرضيات أهم العمائر والمباني الكبيرة والحديثة في تل أبيب، قلب إسرائيل التجاري! حيث إنه يغطي كامل الردهة والواجهة الخارجية لبنك «ليومي» العملاق بمقره الرئيسي الجديد، والبنك مملوك جزئيا للحكومة الإسرائيلية نفسها، وهو البنك الذي ساهم في تأسيسه هرتزل نفسه، صاحب فكرة الدولة الصهيونية بإسرائيل.

والرخام نفسه يغطي واجهات مركز «افنيو» العملاق المخصص للمؤتمرات والمجاور لمطار بن غوريون، والشيء نفسه أيضا بالنسبة إلى برج الحديقة الأيقوني.

الرخام الإيراني مطلوب وبكثافة ويعرض في واجهات البيع بمحلات الصخور والرخام بشكل علني. «رسميا» هناك حظر على استيراده وبالتالي بيع المنتجات الإيرانية في إسرائيل، ولكنهم يتحايلون على هذا الحظر عبر وسطاء أتراك. في عام 2009 استوردت إسرائيل بما يقرب من ثلاثة وعشرين مليون دولار من الرخام والحجر من تركيا، أي ما يعادل أكثر من ثلثي استيرادها من هذه السلع. ولا يوجد طريقة لمعرفة كم حجم الحجر والرخام الإيراني المنشأ من هذا المبلغ، ولكن الجميع هناك يعلم أن الغالبية العظمى منها إيرانية، وهناك تأكيدات من مصادر إسرائيلية نفسها تشير إلى أن الشركات الإسرائيلية تستورد أكثر من 100 طن سنويا، ولا يقتصر الأمر على تجارة الرخام الكبيرة، ولكن الإسرائيليين لا يزالون يستوردون الفستق الإيراني، والكافيار الإيراني، كذلك أنواع السجاد الشرقي. وطبعا هناك «رفض للتعليق» من قبل ستيوارت ليفي، وهو الرجل المسؤول في وزارة الخزانة الأميركية عن ملف العقوبات الإيرانية، على تجارة إسرائيل المتزايدة مع إيران، على الرغم من الشعارات السياسية المخالفة لذلك.

والطريف في الأمر أن الكم الآخر من الاستهلاك الإسرائيلي من الرخام يأتي من المحاجر الموجودة في الضفة الغربية لدى الفلسطينيين، وبالتالي يعتبر الإسرائيليون أن جميع استهلاكهم من الرخام يأتي من «الأعداء»!

إزاء هذه التناقضات، والكثير غيرها، تعاني إسرائيل من لوث في صورتها أمام العالم، وبالتالي هي في هذه الأيام تكثف من حملات الدعاية والعلاقات العامة لتحسين سمعتها، فها هو وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان يأمر جميع السفارات الإسرائيلية في أوروبا بضرورة حماية حق إسرائيل في الوجود أمام التيارات المعارضة لذلك، ويطلب منها تجنيد «ألف صديق» من الذين سيكونون شجعانا بما فيه الكفاية للحديث بالنيابة عن إسرائيل والدفاع عنها أمام العالم و«الاتهامات الظالمة»!

ولكن الصحافي الإسرائيلي المعروف ألوف بين، يقول معلقا إنه حتى أبا إيبان، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق وأهم وألمع من تحدث عن إسرائيل بإنجليزية أكسفوردية مدهشة، لا يمكنه تحسين صورة مشوهة ومفضوحة حول العالم بامتياز، حتى الأصوات الإسرائيلية في أحيان مختلفة أصبحت غير مقتنعة بالسياسة الحمقاء لبلادها، ناهيك بالمجتمعات المدنية حول العالم التي لا تزال تكتب وتحصر مجازر ما ارتكبته إسرائيل في حربها على غزة واعتدائها على سفن الإغاثة المتوجهة إليها.

إسرائيل تعتقد أن أوروبا باتت وكرا لحركة منظمة لمنظمات جديدة معادية للصهيونية، وهو الاسم الأولي بالنسبة إليها لمعاداة السامية، تلك «الفزاعة» المعروفة التي تلجأ إليها إسرائيل كلما فضح سجلها وانتقدت بشأن تجاوزاتها وجرائمها. إسرائيل دولة مارقة بامتياز، والأمثلة على ذلك لا تنتهي، وهذا مجرد فصل جديد من مسرحيتها الهزلية!

[email protected]