صواعق «ويكيليكس» المرسلة

TT

تسريبات «ويكيليكس» فعلا كالصواعق، تمشي في العراء وتخشى في أي لحظة أن تسقط عليك، ومن «عفرتة» مرسلها أنه جعل حكومات العالم في حالة ترقب، فلم يرسل صواعقها دفعة واحدة، بل جعلها بالتقسيط، يرسل صواعق الوثائق فيصيب بها من يشاء، ويصرفها عمن يشاء، تماما مثلما صرفها عن إسرائيل لأسباب مجهولة، وكما تسبق زمجرة الرعد ولمعان البرق إصابة الصواعق، جوليان أسانج يرعد بتصريحاته ويبرق بتهديداته قبل أي صاعقة مسربة، حتى صار هذا الرجل النحيل الرعب الأول للقوة الأولى في العالم.

جوليان الرجل العبقري الموهوب في الرياضيات جعل بعض الدول الغربية المتطورة تتحول في نمطها الديمقراطي تجاهه وتجاه موقعه إلى نمط ديكتاتوري فجاءت ردود أفعالها بليدة متخلفة، بدءا من ملاحقة جوليان بسبب تهم الاغتصاب المشكوك في حدوثها والمتأكد من بواعثها، إلى ردود أفعال وزير الدفاع الأميركي الذي ارتسمت على محياه ابتسامة تشف على جوليان بسبب اعتقاله في بريطانيا ليصرح بأنه لا يخفي سعادته بهذا الاعتقال، مع أن سعادة الوزير الأميركي لو فكر مليا في خلطه بين تشفيه من تهم الاغتصاب ونشره للغسيل الأميركي الموثق لوجد أن لا علاقة تربط هذا بذاك.

من هو هذا الرجل النحيل الباهت الملامح الذي لم يهز أميركا أحد مثله منذ الهزة العظمى في مانهاتن في الحادي عشر من سبتمبر؟ إنه رجل وصفه من عرفه واحتك به بأنه عبقري ومخترق من الطراز الأول لشفرات الحاسبات الآلية، وكما تفعل أميركا بوضع وثائقها السرية البالغة الخطورة في أماكن سرية مختلفة خشية التلف أو خوفا من تعرضها للسرقة، جوليان أسانج حفر مغارات إنترنتية عصية على الاختراق، وصار كالجربوع الصحراوي لو تعرضت وثائقه لهجوم نفذ بها من مخرج إنترنتي آخر، إن فضح الوثائق ومتعة الحصول عليها من براثن الأسد الأميركي ولدت لديه شعورا بالتحدي وإثارة بالغة جعلته شغوفا بنبشها وفك شفرات كومبيوتراتها لدرجة الهيمان حتى تقول صحيفة «نيويوركر» الأميركية إن جوليان ربما أمضى يومين دون أكل! وهذا ما بعث الشفقة في من حوله من المعجبين به للعناية به وبأكله وبصحته حتى يواصل قصفه الإنترنتي لأميركا.

ويبدو أن هذا الرجل الثلاثيني المثير قد اكتسب من مهنة والديه اللذين يملكان مسرحا جوالا موهبة التجوال عبر الإنترنت يسبر أغواره ويغوص في أعماقه، وكأي موهوب تسببت له موهبته الفائقة في الرياضيات وعالم الإنترنت في متاعب كثيرة فقد وجد متعة في فك الشفرات والوصول إلى المواقع المحظورة فاتهم بالقرصنة ونجا من السجن بكفالة، ولدى هذا المشاغب الإنترنتي منهجية تفكير تقوم على جواز ارتكاب المحظور من أجل مصالح الإنسانية، بعبارة أخرى تستطيع أن تقول إنه «روبين هود» الإنترنت، فإن كان الأول يسرق من الأغنياء ليطعم الفقراء فإن روبين الإنترنت يسرق من وثائق الغنية أميركا علها تكسر كبرياءها وتسلطها العالمي وتشف قلوب الدول الفقيرة الضعيفة.

جوليان أسانج سيكون بطلا عالميا وستبعث مغامراته الشجاعة الروح في آخرين ليشهد العالم «أسانجات» آخرين يخترقون وثائق دول أخرى، لكن لتنتبه الدول فإن أسانج الذي اخترق المارد الأميركي سيجعل من اختراق وثائق الدول الأخرى أسهل، نعمة الإنترنت سيحولها أسانج وتلامذته على كثير من الدول نقمة، ولهذا فإننا بعد الاختراق الجولياني لوثائق أميركا نستطيع أن نقول بأنه مهما تحصنت الدول الأخرى في حماية وثائقها فإنها في حكم المكشوف فلا تتعب نفسها في الحماية ولتنتبه لحماية تصرفاتها وهذه رسالة جوليان ومردة الإنترنت الجدد لدول العالم.

[email protected]