الاستثمار الزراعي.. اقتصاد يدعم السياسة الخارجية

TT

قد تكون تجربة المملكة العربية السعودية خلال 30 عاما مضت في الزراعة، لم تخرج بما هو مأمول منها، لا سيما أنها استنزفت كميات هائلة من الموارد المائية، إثر التوسع، إلى جانب دعم الدولة للقمح بأكثر من قيمته، وغيرها من الأمور التي دفعت إلى النظر صوب الاستثمار الخارجي كحل يضمن الأمن الغذائي. نثمن للقائمين على ذلك – حينذاك - إذ كانوا يؤدون عملهم انطلاقا من معطيات السابق، ونحترم الحلول السابقة أيضا. لكن الحال تغيرت وتبدلت؛ إذ ندرك كل الأسباب والظروف التي مروا بها.

وانطلاقا من مبادرة خادم الحرمين الشريفين لاستثمار الزراعة في البلدان الغنية بمصادر المياه والقوى العاملة والقوانين التجارية التي تسهل الدخول السعودي إلى أراضيها، وما نشهده من عروض وترحيب يحملها زائرو السعودية من وفود تجارية تابعة للدول الصديقة للمملكة، فالدول بعد الوعكة المالية الماضية، باتت ترى في المستثمر السعودي حلا ذهبيا، فهم يملكون عناصر الجذب التي نحتاجها لنؤمن غذاءنا.

أخذا في الاعتبار أن الحكومة السعودية أنشأت شركة مساهمة باسم «الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني» مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة برأسمال قدره 800 مليون دولار (3 مليارات ريال).

ومن أهم أغراضها: الاستثمار في المجال الزراعي والإنتاج الحيواني «وفق دراسات جدوى اقتصادية وفنية مجدية» للإسهام في تحقيق الأمن الغذائي للسعودية عن طريق توفير أكبر قدر من الاحتياجات الغذائية والزراعية والمنتجات الحيوانية بشكل يساعد في استقرار الأسعار داخل المملكة.

ونقلت «الشرق الأوسط» في تقرير اقتصادي عن استثمار رجال الأعمال السعوديين في مشاريع زراعية عملاقة، تقدر بمليارات الدولارات، في كل من «تركيا وأوكرانيا ومصر والسودان وكازاخستان والفلبين وفيتنام وإثيوبيا».

صحيح أن الأهداف المتعلقة بالاستصلاح الزراعي اقتصادية محضة، تحقق الأمن الغذائي للبلاد، وتؤمن موارد المياه لاستخدامها في مجالات أخرى، بيد أن هدفا آخر لا يقل أهمية عن الهدف الاقتصادي، هو تحقيق سياسة الدولة التي تدعم الاستثمار في الدول الصديقة، وهو ما سيضمن التعاون السلس والمشجع. ولا أرى أن خير من يمارسه، سوى رجال الأعمال السعوديين، الذين نمت أعمالهم في ظل خيرات البلاد.

وباختلاف طريقة الاستثمار الزراعي، سواء أكانت الأرض منحة أم مؤجرة بأسعار رمزية لأجل طويل، مع توافر الأيدي العاملة، تلعب المسافة الفاصلة بين دولة الاستثمار والمملكة دورا مهما فيما يتعلق بتكلفة الشحن، وقد يختلف البعض حول تباين الأسعار كلما اقتربت المسافة، لكن تبقى دولة السودان، على سبيل المثال، موقعا استراتيجيا يقتصد الكثير من مصاريف الشحن إذا قورن بالدول الأخرى.

في السياق ذاته، يتحتم على المستثمر، وقتما يشرع في البدء بالاستثمار، أن يحصل على موافقة من الجهات التشريعية أو التنفيذية من تلك البلدان، برلمانا كان أو مجلسا، حتى تحفظ الحقوق ولا تتأثر الاستثمارات، حتى لو تبدلت أو تغيرت السياسة. على أن تكون الشروط واضحة، في حال تعرض العالم لأي أزمة غذاء عالمي؛ حيث سينكب كل شعب في الخروج بأقل الخسائر عند حدوث أي بوادر لأزمة غذاء، وستسهم الاستثمارات الوطنية في الدول المتعددة، في توريد المحصول إلى السعودية ولو بنسب محددة، فهو أفضل بأي حال من العدم. بينما ستضمن الشروط صاحبة النسب الواضحة لمقدار ما يورد - وقت الأزمات - ومقدار ما تحتفظ بها البلدان التي تخرج المحاصيل من أراضيها، وتلزم حق المستثمر فيما يعكف على مساعدة بلده به من محصول.

* نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية بجدة