إقالة متقي

TT

إحدى مشكلات العالم الخارجي في تعامله مع طهران هي الغموض الذي يكتنف عملية صناعة القرار هناك، ومن يمسك بمفاتيح ماذا؟ وما هو الباب الصحيح الذي يجب طرقه من أجل الوصول إلى نتائج أو حوار مثمر؟ فقد كان المفاوضون في أحيان كثيرة يتعاملون مع الرئيس، سواء الحالي أو السابقون، ليكتشفوا فيما بعد أن مفاتيح القرار الحقيقية مع مرشد الجمهورية أو الدائرة المقربة التي تحصل على «مباركته».

كما كانت دائما التغييرات في المراكز القيادية أو مفاتيح السلطة هناك لغزا، تعكس صراعا بين أجنحة صناعة القرار، ولكن دون أن يكون واضحا مسار الرياح، فقد يظهر تغيير على أنه اتجاه نحو الانفتاح ليعود العالم الخارجي ويفاجأ بعدها أن الرياح ذهبت في اتجاه المزيد من التشدد.

وفي هذا الإطار ستكون إقالة منوشهر متقي وزير الخارجية وإحلال صالحي «الرجل النووي» بحكم وظيفته في هيئة الطاقة الذرية، مجال تكهنات وتحليلات في انتظار رؤية تغيير معين، لو جاء هذا التغيير أصلا.

في حالة متقي هناك مؤشرات على أن طريقة إقالته كان فيها تعمد للتقليل من شأنه، فقد صدر القرار وهو في مهمة رسمية يسلم رسالة رسمية من الرئيس إلى السنغال، أي إنه أصبح غير رسمي وهو في مهمة رسمية، وحسب تقارير وتحليلات فإنه لم يكن مقربا من الرئيس أحمدي نجاد وإنما أقرب إلى الدائرة المحافظة وليس الإصلاحية التي تنتقد الرئيس الذي يخوض هو الآخر معركة سلطات وصلاحيات مع البرلمان الذي يقوده علي لاريجاني.

هل يعني ذلك أن السياسة الخارجية التي انتقدها زعيم المعارضة موسوي، وقال إنها استفزت الجيران ستكون أقل تشددا؟ لا يبدو ذلك، فالبديل المؤقت هو رئيس البرنامج النووي أي إن الأولوية هي لهذا الملف سبب المواجهة بين طهران والقوى الغربية، وسبب القلق في المنطقة بسبب غموضه. وإذا كان أحمدي نجاد قد حقق خطوة إضافية في تعزيز سلطته بإبعاد متقي فهو - أي نجاد - اختصاصي تصريحات ومواقف متشددة، وإن كان لا شيء مستبعد.

وإذا كانت تغييرات إيران الداخلية ودوافعها تظل مجرد تكهنات في غياب معلومات دقيقة، فإن هناك خطوطا عامة لا يمكن الخطأ في رؤيتها، أولها أنه قد يكون الملف النووي مجال إجماع بين القوى السياسية في إيران سواء في الحكم أو المعارضة على الأقل في الخطاب العلني، لكن الأكثر إلحاحا في السياسة الداخلية هو الموضوع الاقتصادي الضاغط خاصة مع تأثير العقوبات الدولية على حركة التجارة والاستثمار، وظهرت بوادر التململ هذه من إضراب تجار البازار الذين كانوا القوة الداعمة لثورة الخميني قبل 3 عقود، والسياسات الداخلية الاقتصادية هي الساحة الرئيسية للصراع بين الرئيس والبرلمان.

وقد يكون ملف القدرات النووية إحدى أدوات إثارة الوطنية التي يستخدمها القادة في إيران لكن المحك الرئيسي في المحافظة على النظام والحكم هو القدرة على تلبية تطلعات الناس ومنع الاقتصاد من التدهور، والتجارب السابقة تثبت ذلك فقد انهار الاتحاد السوفياتي السابق وتفكك وهو قوة نووية عظمى تملك ترسانة ضخمة من الصواريخ والقنابل الذرية.