سنة «السباكة»!

TT

لو كان بالإمكان وصف سنة 2010، التي شارفت على الختام ولم يبقَ عليها سوى أيام معدودة، لكان الأجدر أن توصف بأنها سنة السباكة لكثرة ما فيها من تسريب وتنقيط بشكل عجيب!

فهناك تسريب الأخبار والشائعات بخصوص المناصب والتغيرات التي خصصت لها المواقع والمنتديات، وكذلك الأمر بالنسبة للانتخابات، فالنتائج و«التوقعات» كانت تطلق بشكل مؤثر، وكان «التسريب» موجّها لأجل التحكم في أهواء الناس وخياراتهم، وطبعا كانت هناك قصص كبيرة للتسريبات التي شهدتها السنة، لعل أبرزها كان حادث انفجار بئر النفط في قاع خليج المكسيك والتابع لشركة «بي بي» النفطية العملاقة، والذي أدى إلى «تسريب» كميات هائلة من النفط قضت على أعداد كبيرة من الأسماك وتسببت في تلوث بيئي مهول، إضافة إلى أذى اقتصادي طويل الأجل.

كذلك «سربت» هذه السنة معلومات على شكل سيرتين ذاتيتين لتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بعنوان «رحلة»، والثانية للرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن بعنوان «نقاط القرار»، وحاولا فيهما إظهار نفسيهما بأنهما رجلان من أصحاب المبدأ والعقيدة، وأن قرار الحرب على العراق لا غبار عليه ولا ندم فيه. ولعل أظرف وأصدق تعليق على الكتابين هو ما قاله أحد باعة الكتب في لندن حينما قال: «إنّ أنسب مكان لعرض الكتابين ليس في قسم السيَر الذاتية، بل في قسم الخيال العلمي».

وطبعا كانت كمية من اللقطات المصورة للقاءات ومشاهد خاصة أو محادثات هاتفية مسجلة تم تسريبها بأعداد مهولة على شبكة الإنترنت، لفضح البعض أو الضغط على البعض الآخر أو للتأثير على الرأي العام بطريقة أو بأخرى.

ولا ننسى تسريبات الأغاني والأفلام على شبكة الإنترنت بشكل غير نظامي وغير قانوني، مما يتيح للناس مشاهدة وسماع المضمون وحرمان أصحاب حقوق الملكية الفكرية من العوائد الاقتصادية لمنتجهم.

وطبعا هناك أُمّ «التسريبات» والمعروفة باسم «ويكيليكس»، وهي التي وصفها صديق لي بأننا انتقلنا بسببها من عهد النكبة (في إشارة إلى قيام إسرائيل عام 1948) إلى عهد النكسة (في إشارة إلى حرب 1967 المدمرة) إلى عهد الوكسة (في إشارة إلى تسريبات «ويكيليكس»)، حيث إن هذه التسريبات لا يزال الكثيرون يحاولون فهم ومعرفة الكيفية التي تمت بها وتفسير مغزى ما حدث، ونوع المؤامرة التي تقع خلف ما حدث (طبعا لازم يكون فيه مؤامرة!)، والمؤامرة الملعونة إياها هي التي ستحل لغز سمكة القرش «الدخيلة»، التي جندت من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي لإحداث الأذى بالسياحة المصرية (هذا تفسير «سُرّب» لكسب تعاطف الرأي العام لشرح ما حدث في شرم الشيخ بخصوص الاعتداءات على بعض السياح من قبل سمكة قرش في البحر المفتوح!). إنها المؤامرة يا صديقي.. التسريب متزايد ومستمر لم ينجُ منه أحد، حتى شركة «أبل» العملاقة خبيرة التقنية لم تستطع حماية نفسها من «التسريب» الذي حدث بخصوص أحدث موديلات هواتفها ليظهر على شبكة الإنترنت بشكل مريب.

السباكة السياسية ستظل تعاني من التسريبات التي ستفرض على الأفراد والمؤسسات والحكومات المزيد من شروط الإفصاح والشفافية، بدلا من الاعتماد على وسائل بديلة لا فائدة منها إلا نشر الإشاعة وإثارة الجدل واللغط، وهذا بحد ذاته قد يكون نتيجة صحية ومفيدة جدا نتاج التسريب والتنقيط من «حنفية» الأخبار التي انفجرت هذه السنة!

[email protected]