متقي.. طارق عزيز إيران

TT

قبل قرابة عامين قال وزير الخارجية الإيراني المعزول منوشهر متقي لرئيس وزراء لبنان سعد الحريري: «لقد دعوناك مرارا لزيارة طهران ولم تلبِّ، لكن دعني أقل لك إنه قد تأخذ منا صناعة سجاد في إيران من خمسة إلى ثلاثين عاما.. فنحن صبورون». وقتها رد الحريري مبتسما: «صحيح لكنكم تبيعون السجادة في خمس دقائق»! ومن المؤكد اليوم أن متقي قد خلص إلى نفس الخلاصة الذهبية التي توصل إليها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بعد أن أقاله أحمدي نجاد وهو في مهمة رسمية في السنغال!

فإيران اليوم ليست مركز قوى بمقدار ما أنها مركز صراع كبير، داخلي بالطبع، ويتم الهروب بذلك الصراع الداخلي إلى الخارج، كعادة الأنظمة السلطوية التي تبحث عن شرعية في أي مكان. لكن هل طرد نجاد لمتقي أمر مستغرب؟

بالطبع لا، ويجب ألا نستبعد عزل نجاد نفسه، في أي وقت، فالواضح أن صراع القوى في الداخل الإيراني في تفاعل مستمر. صحيح أن البعض يرى في طرد متقي تعزيزا لقوة نجاد، لكن بعض النصر هزيمة، فمن شأن عزل شخصيات بارزة كبيرة أن يقوي الجبهة المناوئة للرئيس الإيراني داخل طهران، خصوصا أن القطاع الاقتصادي يعاني هناك، ولا يوجد موقف موحد أو صلب لرجال الدين خلف نجاد، ناهيك عن انقسام الشارع حوله، وما رشح مؤخرا عن انتقادات من بعض رجال الحرس الثوري لنجاد.

وعندما نقول إن طرد متقي غير مستغرب فلسبب بسيط، وهو أن وزير الخارجية المعزول كان عليه تحسين وجه نظام لا يخرج من أزمة سياسية إلا ويقع في أسوأ منها. فمن ملف المفاوضات النووية إلى الأزمة المتجذرة مع دول جوار الخليج العربي، والتي كشفت الوثائق الأميركية المسربة مؤخرا عن عمقها، وحدتها، إلى أزمات أخرى أقلها ما حدث حول الأسلحة المهربة في نيجيريا.

فدور متقي كان إنجاز المستحيل، تماما مثل دور طارق عزيز إبان حكم صدام حسين، حيث إن على متقي إخراج بلاده من الأزمات السياسية، وتحسين سمعتها في الوقت الذي لم يترك فيه نجاد مناسبة واحدة دون افتعال أزمة سياسية، مثل محو إسرائيل من الخارطة، أو الحديث عن الهجوم على أميركا في كل مناسبة، أو نقض كل تصريح هادئ يصدر من إيران تجاه المفاوضات حول الملف النووي.

ومن يتأمل السنوات التي أمضاها متقي وزيرا لخارجية بلاده سيلمس ذلك تماما، حيث نجد أنه اضطر للقول مرة بأن خروج إنجلترا وأميركا من كأس العالم هو عقوبة بسبب فرضهما العقوبات الاقتصادية على بلاده، وهذا ليس تصريح رجل سياسي مخضرم بقدر كونه حديث مقاهٍ.

صحيح أن متقي لم يكن يدخن السيجار أمام الكاميرات كما كان يفعل طارق عزيز، لكنه قد يفعل ذلك اليوم، أما نحن فدورنا هو مراقبة ما يأتي من داخل إيران، فيبدو أن الأيام حبلى بالمفاجآت، فالأكيد أن لا أحد يعلم حقيقة ما يجري هناك، وما هو مقدار سرعة التغيير، سواء سلبا أو إيجابا.

[email protected]