هل يعثر أوباما على «صباحه»؟

TT

التراجع الأميركي هو الشبح الذي يطارد سياساتنا. وقد يكون هذا هو سبب فشل الرئيس أوباما، أو يمكن أن يزوده بالفرصة لإنعاش فترة رئاسته.

والخوف من التراجع قصة أميركية قديمة. كان الاعتقاد بتراجع دور الولايات المتحدة قد تفشى خلال نهاية عقد السبعينات وبداية عقد الثمانينات من القرن الماضي. وبدا أن الركود الناجم بفعل التضخم وأزمة الرهائن داخل إيران والقلق إزاء سعي اليابان للهيمنة الاقتصادية والغزو السوفياتي لأفغانستان.. كلها رموز لولايات متحدة لم تعد تتحكم في مصيرها.

وتبددت هذه المخاوف خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي. وأيا كانت أوجه القصور المتعلقة بسياساته، ترأس رونالد ريغان جهود استعادة الروح المعنوية الأميركية. وكان إعلان «صباح في أميركا» الذي قدمه خلال عام 1984 رائعا من الناحية السياسية، ولكنه كان أيضا أنشودة حماسية لثقة أميركية متجددة.

واتبع جورج إتش دبليو بوش خطى ريغان، وهو يستحق ثناء عظيما على إدارته لحرب الخليج الثانية وعملية التحول الدولية الأكبر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. واعتمد بيل كلينتون على ميزانية بوش غير الشعبية والضرورية، واستعاد قدرة الحكومة الفيدرالية على استيفاء الديون، مع العمل أيضا كمنظم حريص للنفوذ الأميركي ولصورتنا في العالم. ويحب تشارلز كروثمر، زميلي كاتب العمود في جريدة «واشنطن بوست»، الإشارة إلى عقد التسعينات على أنها فترة «عطلة من التاريخ»، ولكن الحقيقة هي أن القوة الأميركية وصلت إلى ذروتها إبان فترة حكم كلينتون. وإذا كانت هذه عطلة، فإننا في حاجة إلى عطلات إضافية من هذا القبيل.

وينشأ الشعور الحالي بالتراجع من الإحساس الواسع بأن دولتنا بددت مزاياها الدولية خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، وأضعفت من قوتها عبر خوضها حربا طويلة وغير ضرورية في العراق، دمرت تمويلات الحكومة الفيدرالية، وبعد ذلك شهدت تعرض اقتصادها للدمار بفعل أسوأ أزمة مالية خلال 80 عاما. وحدث هذا كله مع بدء الصين، على وجه الخصوص، والهند أيضا، في تحدي الصعود الأميركي المتجدد. ويشعر الأميركيون بأن ثمة شيئا خاطئا بشكل سيئ، وشعورهم بالذعر مبرر تماما.

كان أوباما قد انتخب لعدة أسباب، في عام 2008، ولكن رغبة البلاد الضمنية في عكس هذا الإحساس بالتراجع كانت أساسية من أجل تحقيقها للانتصار. فكر في التركيز الذي كان واضحا في ملصقاته على «الأمل» وشعاره «التغيير الذي يمكننا أن نؤمن به». وسواء أكان قد تم اختيار هذه الكلمات عمدا أم عن طريق المصادفة، فإن كلمات «الأمل» و«نؤمن» كانت ردود فعل دقيقة على أزمة روحية ولدتها المخاوف بشأن السيادة المفقودة وتوضح الإيحاءات الدينية تقريبا لحملة أوباما.

وتكمن أكبر إخفاقات أوباما خلال أول عامين من توليه للسلطة في عدم استيعاب الفرصة التي ولدتها هذه الأزمة وفي عدم تقدير أنه كان قد طلب منه القيام بما هو أكثر من إصلاح الاقتصاد.

وبالطبع، كان الاضطلاع بإجراءات عملية وصعبة للحيلولة دون الانهيار الاقتصادي هي المهمة الأولى لأوباما. أجل، يمكن أن يتم تبرير جزء كبير من المزاج السيئ للدولة من خلال معدلات البطالة المزرية.

ومع ذلك، يتحدث صعود الحركات القومية اليمينية - يرتبط حزب الشاي إلى حد كبير بالأفكار القومية الجازمة بنفس قدر ارتباطه بالحرية - عن توق الدولة إلى إعادة طمأنة الناس على أنها يمكن أن تحافظ على مكانتها الرائدة في العالم. وهذا ينطبق أيضا على الحديث الملح لمنافسيه الجمهوريين المرتقبين عن الولايات المتحدة كدولة استثنائية.

وينشر أوباما خطاباته البلاغية عن التنافس والفوز في القرن الحادي والعشرين، ويشير، في كثير من الأحيان، إلى أن الصين تتخذ مبادرات (في مجال الطاقة والانتقال الجماعي والتعليم، على سبيل المثال) لا نتخذها نحن. والشيء المفقود هو صدور دعوة متسقة للإصلاح والتجديد تكون وطنية ومتحدية بشكل غير اعتذاري.

ويحتاج أوباما إلى تذكر حكاياته الخاصة عن التفرد الأميركي. ولن تتظاهر هذه الحكايات بأن الولايات المتحدة يمكن أن تشغل المكانة نفسها التي كانت تتمتع بها تماما قبل صعود الصين. ولكن رؤيته يجب أن تصر على أن مصير دولتنا لن يكون هو أن تتحول الولايات المتحدة إلى قوة عالمية تاريخية أخرى ترقب الأوضاع بلا حول ولا قوة مع تراجع نفوذها ومستويات المعيشة فيها.

ويجب أن يكون أوباما أكثر إصرارا على استخدام التنافس مع الصين كقوة دفع، بنفس طريقة استخدام جون كينيدي للمنافسة مع الاتحاد السوفياتي من أجل جعل الدولة تتحرك مجددا محليا وخارجيا. وهناك أولويات أكثر أهمية من الحفاظ على معدلات الضرائب المنخفضة للأثرياء ومخاوف استراتيجية أكبر من العراق أو حتى أفغانستان، وأهداف سياسية قهرية بشكل أكبر من الهجمات الروتينية على الحكومة أو الخوف من المهاجرين الجدد أو الإسلام أو حتى تعددنا كدولة. وسوف نشترك جميعا في هذا الجهد معا إذا عرف كل مواطنينا أنهم سوف يمتلكون الفرصة للمشاركة في نجاح ولايات متحدة مزدهرة مجددا.

وبالنسبة لأوباما، يتطلب التجديد السياسي تنفيذ حملة جريئة ومتواصلة للتجديد الوطني. وسوف يمثل هذا تحديا لمنافسيه السياسيين، ولكن الأكثر أهمية من ذلك هو أنه سوف يمثل تحديا لنا جميعا.

* خدمة «واشنطن بوست»