ماذا يقول الإنجليز هنا؟

TT

الغريب أن عددا غير قليل منهم لا يزال هنا. أقصد لا يزال عدد من «الإنجليز» موجودا في لندن. فيما عدا ذلك، فإن «هارودز»، هذا المجمع الجمالي اليومي، انتقل من محمد الفايد إلى قطر. و«جاغوار»، سيارتي المفضلة، صارت في أيدي الهنود. والصحافة الأكثر عراقة في العالم، يتقاسم ملكيتها الأسترالي روبرت مردوخ والأثرياء الروس. وما أدراك ما الروس؟ و«الميني» رائدة السيارات الصغيرة، اشتراها الألمان. والمطبعة التي تطبع الجنيه الإسترليني نفسه، اشتراها الفرنسيون. وعمال الاستقبال والخدمة في المطاعم والفنادق، بولنديون وهنود. وأصحاب محلات «جيرمين ستريت» غرباء مثل الزبائن.

قيل للراحل راشد آل مكتوم إن الكويتيين اشتروا دبي، فقال للخائفين: عندما ترون كويتيا خارجا من هنا وعلى ظهره بناية، أخبروني بالأمر! لندن مدينة تحلو للذين يثرون. فأثرى العرب جاءوا يشترون فيها. وأثرى الروس اندفعوا يشترون كل شيء. والآن بدأ الصينيون يقرعون الأبواب، حاملين فوائض مجتمع استهلاكي جديد، أعضاؤه مليار و300 مليون بشري.

ماذا بقي «الإنجليز» يفعلون هنا؟ سجل عندك، إذا سمحت: الصحافة يملكها الروس، أما كتابها فالإنجليز. ولاعبو كرة القدم أجانب، أما المدربون فإنجليز. وأما المسارح الرائعة، فأهلها أولاد بلد. والأذواق التي تحرك جماليات «هارودز»، إنجليزية. ومحافظ هذه المدينة الفريدة في المدن، إنجليزي أيضا، ونقاد الملحق الأدبي في «التايمز» إنجليز، والمكتبات التي تبيع آثار راسل وشكسبير وكونراد وشوسر وبليك، وقصيدته الشهيرة، «لندن»، كلها إنجليزية. غير أن بليك، مثل مواطنه ديكنز، انتحب على لندن وفقرها، ولو عاد اليوم لوجد أن ثمن متر البناء يفوق مائة ألف دولار. أو مائة ألف يورو. أو مائة ألف جنيه.

عاد الإنجليز من أطراف الإمبراطورية من دون أن يحملوا على أكتافهم شيئا. ربما بضعة تماثيل للمتاحف. وبضع ذكريات كتبها أورويل أو كيبلنغ، أو أيضا كونراد. كانوا قد خرجوا من هذا الأرخبيل وهم لا يملكون شيئا كذلك. ولكن ماذا عن الذهب والماس الذي عادوا به؟ وماذا عن ملايين العبيد الذين حملتهم السفن البريطانية في أقبح وأفظع تجارة؟ وماذا يقول موقع الـ«بي بي سي» الرسمي؟ يقول يا صاحبي، ما يلي: «بلغت الإمبراطورية عظمتها بقتل أعداد كبيرة من الناس كانت أقل تسلحا، وبسرقة بلدانهم. وكان الجيش يفضل القتل بالرشاشات. وقد تفككت تلك الإمبراطورية، لأن رجالا مثل المهاتما غاندي، المعترض الثوري البطل، أدركوا حاجات شعوبهم للاستقلال والحرية». أحفاد المهاتما هنا الآن. يتصدرون كل عام الصف الأول في لائحة أغنى 500 بريطاني، ثم يتوزعون على بقية الصفوف، والمراتب. وأحفاد آسيا. وأحفاد إمبراطورية سابقة لم تكن تغيب عنها الشمس. أما في برد لندن فهي نادرا ما تشرق.