نهاية جاسوس رومانسي!

TT

في مثل هذه الأيام من سنة 1882 عقدت بريطانيا وفرنسا اتفاقا مع الخديو توفيق حاكم مصر لتأمين سلامته ضد الثورة العرابية وتأمين قناة السويس.. فبادرت بريطانيا بإرسال قواتها إلى قناة السويس لحمايتها من أية محاولة من تركيا للمساس بها.

وفي ذلك الوقت كان رجل إنجليزي يرتاد الشرق الأوسط يتفرج ويستمع ويتطوع بإرسال ما يتجمع لديه من معلومات عن كل شيء إلى المخابرات البريطانية. وأعجبت به المخابرات، فاختاروه وساعدوه، وتركوه بعض الوقت يفعل ما يشاء.. وبعد أن تأكدوا من صدقه وإخلاصه بدأوا يكلفونه بإنجاز أعمال عسكرية لها مدلول سياسي..

فقد قررت بريطانيا قطع السلك التليغرافي الذي يصل الإسكندرية بإسطنبول، واختاروا منطقة القنطرة. وذهب الجاسوس ويليام جيل إلى القنطرة، ولم يستطع أن يفعل شيئا.. وأرسل للمخابرات البريطانية يقترح عليها أماكن أخرى، وأن تكاليف هذه المهمة على حسابه، أما حاشيته فكانت من اثنين من الخدم وطباخ وستة من الحراس الشداد، وعدد من الخيول.. وبعض الأسلحة الخفيفة.

فجاءته الأوامر بأن يذهب إلى أعماق سيناء، وهناك مكان حددوه له.. ومن هذا المكان يحفر أمتارا ليكشف عن الأنابيب التي في داخلها كابلات الأسلاك البرقية.. ولاحظ جيل أن البدو يتربصون به، فأجزل لهم العطاء جنيهات ذهبية كثيرة. ولكن يبدو أنهم لم يشبعوا؛ فكلما أعطى عشرة اليوم ظهر عشرة في الغد. ولما توقف عن إعطاء مزيد من الذهب قتلوه هو وكل رجاله. وفي ذلك الوقت دخلت القوات البريطانية مصر واحتلت القاهرة، وتذكروا هذا الجاسوس فبعثوا في طلبه، ووجدوهم جميعا طعاما للغربان والذئاب ولم يتبق منهم إلا ملابسهم، أما الخيول والأسلحة فقد استولى عليها البدو.

وجاءت زوجة الجاسوس جيل ونقلت ما تبقى من رفاته ودفنته بكاتدرائية القديس بولس في لندن مع عظماء بريطانيا. ولما أدرك جيل في آخر أيامه أنه في خطر بعث إلى زوجته يقول لها: «إن مت فاختاري لي وردة ضعيها على صدري ثم اكتبي على قبري: عاش من أجل بريطانيا ومات في سبيلها!».