انتبه.. الانطباع الأول يدوم!

TT

«الحب من أول نظرة» ليس قولا عربيا شائعا فحسب، بل أكدته دراسات علمية. إذ أظهر باحثون في دراسة حديثة، أجريت في جامعة لويولا بولاية شيكاغو الأميركية، أن الطلبة الذين قيموا أساتذتهم الجدد في بداية الصف الدراسي لم يتغير تقييمهم للأساتذة أنفسهم في نهاية الصف، مما يدل على أن انطباعهم الأول لم يتغير.

الانطباع الأول، وإن كان غير مبني على حقائق متينة أحيانا، إلا أنه يؤثر في علاقاتنا مع الآخرين. إذ أظهر باحثون آخرون من جامعة ولاية أوهايو وجامعة مينيسوتا الأميركيتين أن «أول 10 دقائق من لقائك مع الآخرين تحدد طبيعة العلاقة المستقبلية بينكم». وذلك بحسب اختبارات علمية أجريت على مجموعة من الناس تعرفوا إلى بعضهم البعض فأثر الانطباع الإيجابي على علاقتهم المستقبلية إيجابا، «وبصورة أسرع مما يتخيله البعض» وفق الدراسة المنشورة في دورية العلاقات الاجتماعية والشخصية.

الغربيون يدركون أهمية النظرة الأولى، ولذا صدرت كتب كثيرة في الإدارة توعي الناس بأهمية الانتباه إلى هذا الأمر المنسي. على سبيل المثال، عندما يتحدث إليك شخص لأول مرة، ثم يدخل معك في نقاش حاد ينزلق إلى مشادة كلامية عنيفة، هل ستنسى هذا الموقف؟ بالطبع لا، خصوصا إذا أساء إليك الشخص أو أهانك. فما بالنا إن كنا نراجع دائرة حكومية أو شركة خاصة لم تضع أكفأ الموظفين في خطوطها الأمامية، حتما ستكون ردة فعلنا سلبية تجاهها. منها انتشرت فكرة ما يسمى بإدارة الانطباعات Impression Management، وهي محاولة من المنظمات للرقي بخدماتها وأداء موظفيها حتى لا يشطح مستوى الخدمة بعيدا عن دائرة التوقعات الإيجابية.

وكم من شخص في حياتنا ما زلنا لا نشاطره المودة، ليس لسبب سوى أن أحدنا لم ينس كيف استقبله الآخر بتجهم أو عبوس. ولذا، فإن أفضل وأسهل طريقة لتجنب الوقوع في فخ الانطباع الأول «السلبي» هو «الابتسام»، لأن التبسم العفوي عند أول نظرة هو أصدق ردة فعل، خصوصا إن كنا لا نعرف من هو هذا الشخص الذي نراه لأول مرة. وقد يستغرب البعض تجهم الآخرين في وجهه وينسى أنه هو المتجهم أصلا فصار الآخر مرآته. في العلاقات الإنسانية لا يجب أن ننتظر الإيجابية من الآخرين، بل نحن من يجب علينا المبادرة. والله تعالى يقول في آية عظيمة ترتكز عليها كل أخلاقيات العمل الإداري الحديث: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، أي قدم أحسن الأخلاق حتى يلين من يناصبك العداوة. وما التبسم العفوي إلا محاولة لوأد أي مشروع عداوة مستقبلية.

ومن الحلول العملية الأخرى لتجنب الوقوع في شراك الانطباع السلبي، أن نحاول استخدام الإطراء (إن أمكن) أو توجيه كلمات ثناء لطيفة أو القيام بتصرف إيجابي بسيط كإمساك الباب حتى يدخل من خلفك أو الإصغاء إلى محدثنا بكل حواسنا حتى نشعره باهتمامنا.

الانطباع الأول ليس جديدا في ثقافتنا العربية، فالفراسة شبيهة به، فهي موهبة كان يمتاز بها العربي، فبمجرد تفرسه في وجه الشخص يستطيع أن يدرك جوانب خافية من شخصيته.

كل منا بيده أن يولد انطباعا إيجابيا عنه في أول وهلة يقابل فيها شخصا ما، وذلك ببشاشته وعفويته وحسن ترحيبه، أما من لا يأبه بذلك فسوف يدفع الثمن عاجلا أم آجلا.

[email protected]

* كاتب متخصص في الإدارة