من هيروشيما.. إلى أبوظبي

TT

كان على جدول أعمال القمة الخليجية عناوين كثيرة، وقضية واحدة. والقضية هي طبعا القوة النووية الإيرانية، التي تبدو في الظاهر لإقامة توازن رعب مع إسرائيل، أما في الحقيقة الواضحة فهي لترجيح الكفة العسكرية على الخليج المجاور وعلى العالم العربي برمته، بما فيه مصر والسعودية.

لا تبعد إيران عن الجزيرة العربية أكثر بكثير عن دولة نووية أخرى، هي باكستان. لكن القوة النووية الباكستانية لا تقلق أحدا سوى الهند، في حين تقلق إيران النووية، العرب وإسرائيل على السواء. ذلك أن طهران تحرص على إظهار صورة واحدة لنفسها: إما استعراض الصواريخ التي تجربها، وإما استعراض حشود «الحرس الثوري» وهتافاتهم.

حاولت القمة الخليجية أن تبدي تخوفها من إيران السلاحية وأن تظهر شجاعتها في وقت واحد. لكن في ذاكرة الخليج أن صدام حسين اختار الزحف على فلسطين بطريق الكويت، بينما اختار أبو إياد من قبله الزحف إليها عن طريق جونيه، في شمال لبنان، بينما هو يرابض مع قواته في الجنوب، على حدود إسرائيل. كيف طرحت الأسئلة؟ لماذا تريد إيران قوة نووية؟ الجواب لا يمكن أن يكون إسرائيل وحدها. وعندما سعى العراق إلى قوة نووية بمساعدة فرنسا، كان واضحا أنه لا يمكنه ضرب إسرائيل قبل المرور بسورية والأردن وطبعا الكويت. القوة النووية سلاح للهدنة والتخويف، وليس للاستخدام.

يذكر بيان القمة الخليجية برد فعل ستالين على ضرب هيروشيما بالقنبلة الذرية في أغسطس (آب) 1945. تروي سفتلانا ستالين في مذكراتها أن والدها قال: «الحرب همجية كلها، لكن استخدام القنبلة الذرية أقصى درجات الهمجية. لم تكن هناك أي حاجة على الإطلاق لاستخدامها، فاليابان مهزومة منذ وقت طويل». قفز إلى خاطر ستالين أن القنبلة على اليابان ابتزاز مباشر له، من قبل حليفه الأميركي. وفي اليوم الثاني عقد اجتماعا لأركانه ليقول لهم: «لقد هزت هيروشيما التوازن في العالم، وهذا أمر لا يمكن قبوله». وسارع إلى الضغط على علمائه من أجل تطوير السلاح النووي السوفياتي. كانت قنبلة هيروشيما بداية لسباق تسلح نووي خرافي، جميعنا نعرف أنه انتهى بإفلاس الاتحاد السوفياتي ونضوب طاقته على التنافس مع أميركا في الحقول الأخرى. إيران تطلق في المنطقة الإشارة لسباق تسلح طويل المدى ومدمر للطاقات. ليس فقط في الحقل النووي، بل في كل الحقول. وأي كلام آخر خداع للنفس وللآخرين. والفارق بين القوة النووية الباكستانية أو الهندية، والقوة الإيرانية المحتملة، هو أن إيران صاحبة مشروع جيوسياسي، من لبنان إلى المغرب. وتحتاج إلى عقود من أجل تحقيق توازن رعب نووي مع إسرائيل، بينما هي لا تحتاج إلى أكثر من خصوبة قليلة، لخلخلة ميزان الرعب مع جاراتها العربيات.