ما هي الخطوة التالية داخل العراق؟

TT

بغداد - كانت ثمة مشاعر واضحة يوم الاثنين بين جنود فرقة المشاة الأولى التي تعود إلى أرض الوطن الأسبوع المقبل بعد قضاء عام داخل العراق مفادها: سنخرج من هنا، لقد انقضى الأمر. وخلال 12 شهرا أخرى، سيكون ذلك واقع الدولة التي أرسلتهم، حيث من المقرر أن تغادر آخر القوات الأميركية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي سيحدث عقب الحقبة الأميركية في العراق؟ خلال احتلال موحش لم يكن متصورا في بعض الأحيان طرح هذا السؤال بالنسبة إلى العراقيين والأميركيين على حد سواء. ولكن يجري حاليا نقاش محتدم حول هذا بين صفوف حكومة عراقية جديدة تمكنت، رغم ما بها من عيوب، من حشد كافة اللاعبين المهمين داخل خيمة واحدة.

اجتمع الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في بغداد يوم الاثنين مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لبدء التخطيط لـ«شراكة استراتيجية على المدى الطويل» ستستمر الولايات المتحدة بموجبها في تدريب الجيش والشرطة العراقية وتقديم مساعدات أمنية أخرى لم تحدد بالضبط. وقال مولن في وقت لاحق إن المالكي يبدو في حاجة إلى شراكة «ولكن لم يتم تحديد الاتجاه بعد».

وحقيقة الأمر ربما تتعلق القصة الكبرى بخصوص العراق بما لم يحدث. انتشرت مخاوف كبيرة من أن تنزلق الدولة مرة أخرى إلى حرب أهلية عند سحب القوات الأميركية من المدن العراقية في منتصف عام. ولكن لم يحدث ذلك. وسادت نفس المخاوف عندما رحلت آخر القوات المقاتلة في فصل الصيف. ولكن لم يحدث ذلك أيضا.

وتجددت المخاوف بشأن احتمالية نشوب أعمال عنف طائفية مرة أخرى مع تأخر تشكيل حكومة جديدة لثمانية أشهر بعد انتخابات مارس (آذار) الماضي. ولكن اتفقت الفصائل الشهر الماضي على صيغة توافقية يبقى بموجبها المالكي رئيسا للوزراء، ولكن هذه المرة على رأس ائتلاف موسع يشمل كافة الفصائل الكبرى.

ومن الصعب القول إن المالكي زعيم مثالي، وفي بعض الأحيان نجده يصف نفسه بأنه نموذج عراقي لريتشارد نيكسون: له عقل تآمري ووجه غير حليق على الدوام. وربما لا يعد المالكي الشخص المفضل لأي طرف، ولكنه برهن على أنه مقبول لدى الجميع - أميركا وإيران والسنة والشيعة والعرب والأكراد.

ويبدو في النهاية أنه حتى القضية الشائكة المرتبطة باجتثاث «البعث» تم حلها من خلال تسوية تسمح للساسة السنة البارزين بالانضمام إلى البرلمان. وفي الواقع يميل النمط السياسي العراقي إلى أن يكون على شفير الهاوية بصورة دائمة، من دون حل أي قضية حتى اللحظة الأخيرة. وقد أثار ذلك أعصاب أميركيين يميلون بدرجة كبيرة إلى التسوية، ولكن في النهاية، يتمكن العراقيون عادة من العثور على حل سياسي.

أظهرت عملية المفاوضات الطويلة أن معظم العراقيين سئموا أعمال العنف. ولا يريد عودة الحرب الأهلية سوى الجماعات الإرهابية المتطرفة. وكما قال أحد المسؤولين فإنه عند الاختيار بين حكومة ذات كفاءة وأخرى تشمل الجميع، فضل العراقيون حكومة شاملة.

وقال مولن: «بصورة عامة يقوي من عزمي ما أراه من حولي». وأشار إلى أن القوات الأمنية العراقية «أفضل مما توقع الكثيرون. كما أنهم قادرون على معالجة الأمن الداخلي».

ويمكن أن تظهر الأرقام اتجاها يدحض التوقعات التي ترى أن القوات الأمنية العراقية لا يمكنها أداء مهامها. ويحصي قادة أميركيون نحو 15 حادثا أمنيا يوميا في العراق، ولكن يشيرون إلى أن ذلك يقل بنسبة 20 في المائة عن معدلات العام الماضي عندما كانت القوات الأميركية تلعب دورا أكبر وإلى أنها تصل إلى نفس مستوى أعمال العنف قبل الغزو الأميركي عام 2003.

ويعد ذلك مثالا يوضح مدى نجاح القوات الأمنية العراقية، بالإضافة إلى التهديد الإرهابي المستمر داخل العراق. وفي 4 ديسمبر نقل قادة أميركيون للعراقيين معلومات استخباراتية عن نحو 15 سيارة مفخخة على وشك الانفجار. وتمكن العراقيون من تعطيل كافة السيارات ما عدا ثلاثا – ويعد ذلك نجاحا كبيرا ولكن لا تزال الخسائر كبيرة.

ويخشى مسؤولون أميركيون من عودة عراق ما بعد أميركا إلى حالة الفوضى إذا لم تستمر علاقات أمنية قوية. ويخشون من حدوث ما جاء في المشهد الأخير من فيلم «حرب تشارلي ويلسون»، بأن يغادر الأميركيون (في تلك الحالة من حرب بالوكالة تديرها وكالة الاستخبارات المركزية ضد السوفيات داخل أفغانستان خلال الثمانينات من القرن الماضي) لإراحة مواطنين سئموا الحرب، فيما يعمل الإرهاب لملء الفراغ (في تلك الحالة أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة).

وعندما سئل نائب القائد الأميركي في بغداد ليفتنانت جنرال روبرت كون عما إذا كان العراق قد أصبح «الحرب المنسية»، اتخذ موقفا عدوانيا في حديثه مع صحافيين يوم الاثنين. وقال: «ما نراه اليوم دفع ثمنه بالدماء والثروات» وقدمه جنود ودافعو ضرائب أميركيون. ولا يريد أن يرى هذا الاستثمار يضيع ليكون في النهاية هروبا من الحرب.

يجب ألا يكون القادم هو فراغ أمني آخر. ومن المؤكد أن هناك وضع وسط بين القيام بالكثير وعدم القيام بشيء البتة.

* خدمة «واشنطن بوست»