ما بعد الجائزة

TT

حصول الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عبر مشروع التأهيل البيئي لوادي حنيفة على جائزة الأغا خان للعمارة لعام 2010 وبإجماع تام من هيئة التحكيم، هو شهادة جديدة بحق رؤية الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير الرياض، وخططه الاستثنائية للعاصمة السعودية التي تعتبر الهيئة العليا لتطوير الرياض نفسها إحدى نتائج هذه الرؤية المهمة.

وجائزة الأغا خان هي الجائزة الأكثر أهمية في العالم، تمنح لتطوير المدن والإبقاء على التراث مع احترام التوازن البيئي بدقة. وفي الشرق الأوسط لمؤسسة الأغا خان لمسات لافتة توضح نهجها المعماري، ففي مصر حولت مقلبا للقمامة إلى أكبر حديقة مفتوحة بالقاهرة القديمة وأصبحت نقطة جذب كبيرة، وكذلك فعلت بمحيط القلعة التاريخية بمدينة حلب وطورت المكان ليصبح للمشاة فقط وحسنت إنارته ورصفه.

أما عن وادي حنيفة نفسه فقد كان مهجورا ومهملا لفترة ليست بالقليلة، على الرغم من أهميته التاريخية وموقعه الجميل وخاصيته بالنخيل الأخاذ الموجود فيه، إلا أنه بالتخطيط السليم والتنفيذ الأقرب للمثالية تم الإنجاز الذي حوَّل مكانا بسيطا إلى منطقة أخاذة فيها التصميم الهندسي اللافت، الذي حول المكان إلى المتنزه الطبيعي الأكبر بداخل العاصمة وأمن له مصرفا دائما للمياه ونظام معالجة للصرف والحركة المائية بشكل طبيعي.. ذلك كله يتم بمراعاة بالغة الحساسية للبيئة، مع الحفاظ على مخزون نظيف من المياه وخضوع جميع هذه المواصفات لشروط قياسية تفرض التعامل مع الطبيعة المحيطة بالمشروع باحترام بالغ، مما مكن المشروع من أن يحصد جائزتين أخريين مهمتين «من مركز المياه في واشنطن» ومن «مؤسسة الجائزة العالمية للمجتمعات الحيوية».

السعوديون عموما يعرفون أن «سر» هذه النجاحات هو سلمان بن عبد العزيز نفسه وأسلوبه الإداري الفريد، الذي جعل الناس دوما يشيرون حين المقارنة بما يطلقون عليه «العامل السلماني» في توضيح لأسباب نجاح مشروع أو فشله، وهي عبارة فيها المغزى، ومن هذا المنطلق أجد أنه من المعيب ألا تتم الاستفادة القصوى من خبرة الرجل وتجربته الفريدة وألا تتبنى الجامعة السعودية الأكبر (جامعة الملك سعود) مشروع إطلاق «كلية الأمير سلمان للحكم المحلي» ليستفيد الراغبون في الانخراط بالإدارات الحكومية أو شبه الحكومية من تجربة الرجل الثرية، التي حولته إلى أيقونةِ فعالية وإنتاجية ونجاح استثنائي.

جامعة هارفارد العريقة أطلقت اسم جون كينيدي على كلية السياسة العامة، وجامعة ناشيونال السنغافورية أطلقت اسم مؤسس سنغافورة لي كوان يو على كلية الإدارة العامة بها، وفي دبي أطلقوا اسم محمد بن راشد آل مكتوم على كلية الإدارة العامة؛ لذلك، من باب تعميم الفائدة وبشكل عملي، وحتى يتحول الثناء والإعجاب، الذي هو في محله بحق الأمير سلمان، إلى نهج عملي يحقق الفائدة لأكبر قاعدة وشريحة ممكنة من أبناء الوطن وبناته، لا بد من تحويل ذلك إلى عمل مؤسسي مدروس ترعاه جامعة في قلب العاصمة السعودية، وبهذا تتحقق الفائدة بتكريس التجربة وتوثيقها وتعميمها.

حصد الجوائز ليس هو الغاية ولا هو الهدف، وإنما الجوائز تجيء في الطريق نحو الهدف، وهذا هو الفرق بين من يعمل ومن يقول.

[email protected]