يوم اليتيم.. هو يوم الوفاء

TT

منذ أن احتفلنا في الجمعة الأولى من شهر أبريل (نيسان) الماضي بيوم اليتيم، وذلك في حفل خيري بحديقة المتحف المصري في القاهرة، وأنا أشعر بتأنيب الضمير لعدم الكتابة عن يوم اليتيم..

وإسهام المجلس الأعلى للآثار المصري في خدمة المجتمع ومشاركته بإمكانياته المتنوعة في رفع مستوى تنشئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك اليتامى. وتوصي كل الديانات السماوية باليتامى ويحثنا رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، بالإحسان إلى اليتيم، بل جعل كافل اليتيم ملازما له عند دخول الجنة، وقبل ذلك بآلاف السنين نجد الفراعنة يتفاخرون ضمن نصوصهم المسجلة على جدران مقابرهم بأنهم قد أحسنوا إلى الأطفال اليتامى وحافظوا على حقوقهم، ومن أجمل ما قرأت في حياتي نص لأحد كبار الدولة الوسطى يقول فيه: «إنه قد دافع عن الأرملة وحفظ حقوق اليتامى بعد أن كسا العاري وأطعم الجائع حتى صارت ذئاب الصحراء لا تهاجم قطيع الغنم لأنها وجدت ما يكفيها من طعام..».

ولقد استطعنا في المجلس الأعلى للآثار وبالتعاون مع جمعية الأورمان الخيرية تجميع خمسة آلاف طفل عند سفح الهرم الأكبر في الجيزة في أكبر حدث للإعلان عن تبني مصر الاحتفال بـ«يوم اليتيم»، وتوجيه نداء إلى العالم كله لكي يصبح هذا اليوم يوما عالميا يحتفى به في كل مكان وليس في مصر فقط.. وقد بدأنا منذ سنوات في دعوة أطفالنا من مختلف الأعمار للاشتراك في مدرسة الطفل بالمتحف المصري لتعلم الهيروغليفية والتاريخ المصري القديم وتنمية مواهبهم في الرسم والنحت والتشكيل..

وليست هناك كلمات تعبر عن مدى سعادة هؤلاء الأطفال وهم يرسمون لوحات تعبر عن الفن الفرعوني أو يشكلون من الصلصال تماثيل وتوابيت فرعونية، وفي نهاية كل فصل دراسي نقيم معرضا لعرض مواهب هؤلاء الصغار ونقدم لهم الجوائز وشهادات التقدير، وقد بدأت أعداد المشتركين في مدرسة الطفل في التزايد بشكل مطرد حتى أصبحنا نواجه مشكلة إيجاد المكان المناسب لاستيعابهم في المتحف المصري.

واهتمامنا لا ينصب فقط على أطفال وتلاميذ المدارس، وإنما وجهنا عنايتنا إلى أبنائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة، فأقمنا معرضا في المتحف المصري لمن حرموا من نعمة البصر ووضعنا في هذا المعرض التماثيل والتوابيت الحجرية التي لا تضر باللمس، ودعونا أطفالنا إلى لمس هذه المعروضات والتعرف على أشكالها بأناملهم الدقيقة، وكانت لحظة افتتاح هذا المعرض من أجمل لحظات العمر.. ولقد كنت أتابع وجوه الأطفال وهم يبتسمون بمجرد لمس وجوه التماثيل ومعرفة أشكالها.. كنت أجد السعادة تنطق فوق وجوههم للتعرف على عالم كان بالنسبة لهم غريبا غير ملموس..

إن الاهتمام بالطفل وتقديمه إلى تاريخه القديم سيؤدي في النهاية إلى حفظ آثارنا وتقليل المخاطر التي تتعرض لها.. فهؤلاء الأطفال هم أجيال المستقبل، وليس هناك أهم من أن تنشئ جيلا يعي أهمية الآثار ويقدرها.. وقد عانينا الكثير والكثير من أجيال كانت الآثار الفرعونية بالنسبة لهم آثارا وثنية صنعها الكفار. تصحيح الفكر عمل عظيم لكي يصبح الغد أكثر إشراقا..