تخطي المحظور داخل إيران

TT

هل تعني معارضة حكم ملا داخل إيران إنكار وجود الله؟ هذا هو السؤال الذي يثير جدلا سياسيا ودينيا واسعا في إيران هذه الأيام. أثار آية الله أحمد جنتي هذا الجدل خلال مؤتمر عن تعريف الإسلام الأسبوع الماضي. ويشغل جنتي، خطيب الجمعة داخل طهران، منصبا سياسيا هاما، وهو منصب سكرتير مجلس صيانة الدستور، وبالتالي يعد من أكثر الملالي نفوذا في النظام.

ويضم مجلس صيانة الدستور ستة ملالي وستة من فقهاء المسلمين، وله حق نقض أي تشريع يمرره المجلس الإسلامي الذي يعد بديل البرلمان الإيراني. زعم جنتي في كلمته أمام المؤتمر أنه في «مناسبات نادرة» يتم اختيار «شخصيات متميزة» من بين رجال الدين «بقدرة إلهية» ليحكموا من هم دونهم مكانة. وكذلك زعم أن نظام ولاية الفقيه «مبدأ أساسي من مبادئ الإسلام». وقال: «إنكار ولاية الفقيه يعني إنكار الله. ينبغي أن نعد ولاية الفقيه أحد أحكام الله على الأرض».

وتم تدعيم هذه الرسالة بشكل أكبر خلال المؤتمر من جانب ملا آخر، وهو علي سعيدي، ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي في الحرس الثوري الإيراني. وقال سعيدي: «لن يكون هناك إسلام صحيح اليوم دون طاعة مطلقة للمرشد الأعلى. ويجب إبعاد رجال الدين الذين يناهضون المرشد الأعلى عن الساحة».

وتأتي محاولة تعريف، أو بالأحرى إعادة تعريف، الإسلام ردا على جدل آخر أثاره الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وأسفنديار مشائي، مرشده الديني، اللذان يحاولان الترويج لـ«مدرستهما الإيرانية» باعتبارها اتجاها جديدا، وهو ما يثير ضيق الملالي الموالين للنظام.

تم تعليق ملصقات جديدة مكتوب عليها «المذهب الإيراني هو طريق التقدم والخلاص» في الكثير من المكاتب الحكومية في أنحاء إيران.

و«المذهب الإيراني»، بحسب تعريف مشائي، عبارة عن مزيج من القيم التي دعمها كورش العظيم، مؤسس الإمبراطورية الفارسية، وتعاليم الإسلام التي ظهرت بعده بألف عام. ويطالب مشائي بالاعتراف بأن كورش مثل الأنبياء الساميين الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم والإنجيل.

وربما لا يبدو نقاش ما هو من الإسلام وما ليس من الإسلام غريبا في دولة يزعم حكامها منذ عام 1979 أنهم يمثلون «النهج الإسلامي الصحيح». ربما يكون ذلك إشارة إلى أن المؤسسة الحاكمة، التي تتألف من آلاف الملالي وحلفائهم داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، تعاني من شعور بعدم الثقة في الذات.

وقد أضعف الخلاف الذي حدث العام الماضي على الانتخابات الرئاسية والتوتر المستمر بسبب إضرابات عمالية وسخط الطبقة المتوسطة المتنامي ادعاء النظام التمتع بالشرعية. وفي الوقت ذاته هناك مؤشرات على احتمال استعداد بعض رجال الدين على الأقل لإعلان رفضهم صراحة زعم خامنئي أنه المرشد الإسلامي الأعلى في العالم.

وقد قام خامنئي بزيارة غير عادية إلى مدينة قم، جنوب طهران، حيث يقيم الكثير من رجال الدين المشهورين، وهي زيارة هدف منها بصورة جزئية لمعالجة هذه المشكلة. ومع ذلك، يبدو أن هذه الزيارة أظهرت الخلاف.

وفي أحد اللقاءات، واجه المرشد الأعلى طلاب دين يرددون هتافات مثل: «أين بحثك عن الاجتهاد؟»، ويشار إلى أنه في المذهب الشيعي، لا يمكن لأي رجل دين أن يطلق عليه لقب آية الله من دون أن ينشر بحثا عن الاجتهاد ويوافق عليه آخر يحمل لقب آية الله العظمى. ولم يقم خامنئي، الذي يطلق عليه أنصاره لقب آية الله، بذلك.

ومن حين لآخر، تنشر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة تقارير عن أن خامنئي سوف ينشر قريبا بحثه، المعرف بـ«رسالة المرجعية»، مع وعد بأنه سيكون «أعظم نص عن الإسلام على مدار قرون». وبلغ الأمر بأشخاص بارزين يحملون لقب آية الله داخل قم بأن يكونوا على وشك الطعن في مكانة خامنئي.

وقد عارض آية الله العظمى أسد الله بيات زنجاني الزعم بأن إنكار ولاية الفقيه يعد بمثابة كفر بالإسلام. ومن جانبه يرى آية الله العظمى يوسف صانعي أن النظام الحالي يمثل «حكم استبداد يستخدم الإسلام كستار». وذهب آية الله العظمى وحيد خراساني إلى ما هو أبعد من خلال التأكيد على أن رجال الدين يجب ألا يتولوا مناصب سياسية. ورفض الثلاثة طلب خامنئي باللقاء خلال زيارته إلى قم.

وعبر آية الله العظمى محمد علي دستغيب، وهو داخل فلك النظام، عن مخاوف بأن محاولات إخراج وضع خامنئي عن حدود معينة سوف تقوض من النظام الإسلامي الذي وضعه آية الله الراحل روح الله الخميني.

وفي محاولة إلى رأب الصدع، دعا خامنئي حلفاءه من رجال الدين إلى البحث عن «تسويات». وكُلف آية الله مهدوي كاني بالتصالح مع الفصائل السياسية. وفي نفس الوقت، وجهت أوامر إلى آية الله مكارم الشيرازي، وهو رجل أعمال بارز، من أجل العمل على بناء جسر لرجال الدين المنشقين الذين يعتبرون ولاية الفقيه بدعة ابتدعها الخميني.

وتوجد تهديدات أكبر تواجه رجال الدين الموجودين في الحكم، فلم تعد مدينة النجف داخل العراق مغلقة كما كان عليه الحال إبان حكم صدام حسين الاستبدادي، وعلى ضوء ذلك بدأ بعض الإيرانيين يتحولون إلى رجال الدين داخلها وأخذ رأيهم في قضايا دينية. ويظهر آية الله العظمى علي محمد السيستاني كأبرز شخصية بين رجال الدين الشيعة، مما يساعد على إحياء تقليد قديم. فعلى مدار 300 عام ماضية كانت مرجعية التقليد الشيعية داخل النجف ما عدا شخصا واحدا فقط. (كان الاستثناء هو آية الله العظمى الراحل محمد حسين بروجردي الذي عاش في قم). وحتى عندما كان الخميني حيا وفي السلطة داخل طهران كان معظم الإيرانيين المؤمنين يعتبرون آية الله العظمى الراحل عبد القاسم موسوي خوئي المرجع الأعلى.

ومن مباعث القلق الأكبر للملالي الحاكمين حقيقة أن نصف المواطنين داخل إيران البالغ عدد سكانها 75 مليونا لم يكونوا موجودين عندما حاز الخميني السلطة. وكان ربع آخر من الإيرانيين حاليا صغيرا جدا بما لا يجعلهم يتذكرون الملا. وعليه فإن ثلثي الإيرانيين، لا يعد بالنسبة لهم مشهد ملالي يتقاتلون بشأن ما هو من الإسلام وما ليس من الإسلام إما أنه غير ذي صلة وإما مثير للشفقة. وأغلبية الإيرانيين مهتمون بالتعليم وفرص العمل والأمن الاجتماعي وحكم القانون أكثر من النقاشات الفئوية بين ملالي شبه أميين.

ويشتكي سهيل سهيلي، وهو ملا مسؤول عن الأماكن الدينية داخل إيران، من أن الإيرانيين لم يعودوا يقبلون على بناء مساجد. وفي كلمة داخل طهران مؤخرا قال إن الدولة في حاجة إلى 72000 مسجد جديد على الأقل. وقبل الثورة كان المواطنون يمولون بناء المساجد، والآن لا يقبل المواطنون على تمويلها. وأكد سهيلي أنه يجب على الحكومة أن تتحمل التكلفة.

وقبل أن يحوز الخميني السلطة، كان الملالي يتمتعون ببعض الشعبية بفضل عدائهم الصريح للمؤسسة الحاكمة. ومن خلال السلطة، حول الخميني الملالي إلى المؤسسة الحاكمة، وبذلك حرمهم من مبرر وجودهم سياسيا.

ومن خلال السلطة، خسر بعض الملالي الناس، ومن خلال معارضة النظام القائم، يحاول بعض الملالي استعادة على الأقل جزء من تلك المكانة المفقودة. ولكن، بغض النظر عن الطريقة التي سيتم بها تعريف أو إعادة تعريف الإسلام داخل طهران لاحقا، فإنهم قد يجدون أن الوقت تأخر كثيرا، وقد تم كسر محظور بالفعل.