بريطانيا: غضب من دون مراعاة للآخرين

TT

لندن.. في صورة لها ظهرت في اليوم التالي، كان فمها مفتوحا، وعيناها محدقتين، وبدت وكأنها تصرخ فيما كانت نافذة سيارتها محطمة. ولكن من يعرفونها يؤكدون على أن دوقة كورنوول - كاميلا باركر بولز، زوجة الأمير تشارلز - لم تكن خائفة من المتظاهرين الذين هاجموا سيارتها خلال مظاهرة تحولت إلى أعمال شغب في لندن الأسبوع الماضي، ولكنها كانت غاضبة.

ولم تكن وحدها. لقد تحولت ثلاث مظاهرات - ظاهريا كانت احتجاجات ضد زيادة في الرسوم الجامعية - إلى أعمال عنف داخل لندن خلال الشهر الماضي.

وفي المظاهرة الأولى، اقتحم بلطجية يرتدون أقنعة تزلج سوداء مقرات الحزب المحافظ، وحطموا النوافذ، وألقوا بطفايات حرائق على الشرطة. وخلال المظاهرة الأخيرة - في يوم التصويت على مشروع قانون الرسوم - رسموا على تمثال لتشرشل، وتبولوا على قاعدته، وحطموا شجرة أعياد الميلاد في ميدان ترافلاغار، وبعد ذلك هاجموا السيارة الملكية. وتسلق أحد المحتجين - ابن بالتبني لعازف الغيتار بـ«بينك فلويد» ديفيد غيلمور - على نصب تذكاري للحرب في لندن (كتب عليه «إلى الميت العظيم») وتأرجح ممسكا بعلم من أعلى، وبعد ذلك حاول إشعال النار خارج محكمة. تخيل حشد من المقنعين في أرض نصب واشنطن، يقومون برش مادة طلاء على نصب جيفرسون التذكاري، ويعتدون على مقبرة أرلينغتون، وحينها ستفهم لماذا كانت كاميلا - كما هو الحال مع كثيرين آخرين - غير متعاطفة.

بيد أن هذا النوع من أعمال العنف يتطلب بعض التوضيح، لا سيما لأن رد الفعل المبدئي من جانب المواطنين البريطانيين إزاء تخفيضات النفقات الحكومية كان قبولا رزينا، مثلما كتبت في أكتوبر (تشرين الأول). وعلى عكس الفرنسيين، الذين قضوا معظم نفس الشهر في إضرابات، بدت الحقبة الجديدة من التقشف تروق للكثيرين داخل بريطانيا، لا سيما هؤلاء الكبار الذين لديهم الحنين إلى الدولة المقتصدة غير الصديقة للمستهلك كما كان الحال إبان شبابهم.

ومن الواضح أنه ليس الجميع لديهم هذا الشعور بالحنين، فلا يتذكر تشارلي جيلمور (21 عاما) التموين بعد الحرب، وربما لم يأكل يوما لحما بقريا محفوظا بالملح داخل عبوة. ولن يشعر بالقلق بشأن رسم التعليم، ولن يكون عليه الاقتصاد في النفقات والادخار من أجل دفع رهنه العقاري بسوق الإسكان الباهظ التكاليف، حيث إنه حصل على تعليم خاص فوالده مليونير كبير. ولكني متأكد أنه يحيطه داخل كامبريدج الكثيرون ممن سيعايشون ذلك الوضع.

من جهته، نشر ديفيد ويليتس، السياسي ذو التوجهات المحافظة، ويتولى حاليا مسؤولية التعليم العالي، مؤخرا كتابا بعنوان «الشدة: كيف استولى جيل الطفرة الإنجابية على مستقبل أطفالهم ولماذا ينبغي أن يردوه» ويلخص الكتاب بدرجة كبيرة المشكلة التي تواجه أصدقاء غيلمور، إن لم يكن غيلمور ذاته، حيث يشرح أن الازدهار السكني الذي شهدته بريطانيا طيلة 20 عاما أفاد الأفراد الذين يبلغون حاليا الخمسينات والستينات من أعمارهم - وهي الشريحة ذاتها التي تمتعت في فترة من الفترات بتعليم جامعي مجاني على حساب دافعي الضرائب، والذين ينتظرون تلقي معاشات ضخمة لدى تقاعدهم الوشيك، وهم أنفسهم الذين ينصحون أطفالهم الآن بأنه قد حان الوقت لتقليص النفقات «من أجل مصلحة الأجيال المستقبلية». والواضح أن أحدا لا يلتفت إلى أن مشروع قانون مصاريف التعليم الذي تصب عليه اللعنات لا يزال يحمل بنودا لمساعدة الأكثر فقرا، أو إلى أن الطلاب البريطانيين سيستمرون في تحمل مجرد نسبة من التكلفة الحقيقية للتعليم، والذي سيستمر دافعو الضرائب في تحمل جزء منها. إن مسألة وقوع صراع بين الأجيال داخل صفوف الطبقة الوسطى لا يعني أن الأمر أقل قبحا. في الواقع، إن المتظاهرين البريطانيين - خاصة أولئك الذين يرتدون أقنعة سوداء ويلوحون بالأعلام - لا يشبهون عمال النقل الفرنسيين، وإنما يشبهون الطلاب الفوضويين الذين أضرموا النار في محال ومصارف في أثينا منذ عامين. مثل إخوانهم اليونانيين، لا يملك اليسار البريطاني، في الوقت الراهن، أي منفذ سياسي منظم. لا يزال حزب العمال المعارض يترنح تحت وطأة الهزيمة ويعد مسؤولا عن الأزمة الاقتصادية الراهنة. كما يعد زعيمه السابق، توني بلير، مسؤولا عن فرض مصاريف تعليم في المقام الأول، ويراوغ زعماء الحزب الحاليون بشأن ما إذا كان ينبغي إلغاء هذه المصاريف. أما «الليبراليون الديمقراطيون» فقد وجدوا أنفسهم محصورين داخل الائتلاف وصوتوا لصالح زيادة المصاريف. ومن الواضح أن «المحافظين» لن يستجدوا رضا أناس يتبولون على تمثال وينستون تشرشل.

ويبدو أن كل ما سبق يترك الشباب الغاضبين بلا حول ولا قوة فيما سوى إشعال موجة جديدة من الغضب - وهي استراتيجية مشكوك في جدواها. في نهاية الأمر، تبقى الحقيقة أن وسط لندن تعرض للدمار الأسبوع الماضي، ومع ذلك جرى إقرار القانون. وسترتفع مصاريف التعليم. وسيبقى الائتلاف متشبثا بموقفه. وأنا على ثقة من أن تشارلز وكاميلا، وكذلك كبار السن الغاضبون الآخرون، تعلموا درسهم: في المرة القادمة عليهم اتخاذ طريق آخر للمسرح.

* خدمة «واشنطن بوست»