الفتاوى مرة أخرى!

TT

ما زال العنوان الأبرز، والتحدي الأكبر، لأزمة الفتاوى في العالم العربي والإسلامي هو المساس بهيبة الدولة، ومحاولة تقويضها من الداخل. آخر مثال صارخ على هذا الأمر، الفتوى الأخيرة الصادرة عن لجنة علماء الشريعة بحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، حول مشاركة القوات المسلحة الأردنية في أفغانستان.

خطورة تلك الفتوى لا تتجلى في عنصر واحد وحسب، بل هي تضرب في عدة أسس جوهرية تمس أمن وكيان المملكة الأردنية ككل؛ ففي تلك الفتوى الإخوانية مساس بهيبة الجيش الأردني، ومحاولة لجره إلى وحل الجدل السياسي العقيم، ومحاولة لتحريضه على الدولة. كما أن تلك الفتوى تعد تطاولا على مكانة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية. والخطر الآخر فيها، والحساس، أنها دعم صريح لكل من طالبان وتنظيم القاعدة الإرهابي في كل مكان، وليس في أفغانستان وحسب!

فجزء من الفتوى الإخوانية يقول إن «الواجب يحتم على حكام المسلمين أن يرسلوا جيوشهم للقتال في صف المجاهدين الأفغان، ويحرم عليهم خذلان إخوانهم في أفغانستان أو في أي بلد إسلامي محتل، والتخلي عنهم». والعبارة الأخيرة توضح جيدا أن الفتوى تشرع أيضا إرسال الجنود لدعم «القاعدة» ومن والاها في كل من العراق واليمن، ما دامت أميركا والمجتمع الدولي يرفعون علما هناك، أو يتعاونون لمحاربة الإرهاب! أمر غريب، وخصوصا أن الأردن نفسه قد عانى، ويعاني، من التهديدات الإرهابية. والسؤال اليوم هو: في أي صف تقف لجنة علماء الشريعة بحزب جبهة العمل الإسلامي الأردني.. مع الإرهاب أم ضده؟

فالاعتراض على الحروب وإرسال الجنود، في أي دولة كانت، سواء ديمقراطية أو خلافه، حق مشروع، حيث نرى كل أنواع الاعتراضات المناهضة للحروب، سواء في بريطانيا أو كل أوروبا، وكذلك في أميركا، وحتى في نيويورك التي عانت من أسوأ هجوم إرهابي طال مدنيين في التاريخ الحديث، من خلال هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية، بل ونرى حكومات تسقط بسبب مناهضة الحروب، لكن وفق القنوات النظامية والعمل السلمي، وليس من خلال التحريض على العصيان، أو التطاول على الجيش أو الدولة، من خلال التجرؤ على منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة. المحير أننا لا نرى فتاوى من مثل هذه الجماعات تنهى الشباب العربي والمسلم عن الذهاب إلى مناطق الحروب والفتن، أو تنهى الشباب عن ممارسة أي عمل من شأنه إزهاق أرواح الأبرياء، سواء في أفغانستان أو اليمن أو العراق، أو حتى في الدول العربية، أو أوروبا، وأميركا!

ولذلك، فإن كل فتوى سياسية تصدر في دولنا العربية، سواء مست شأنا اجتماعيا أو سياسيا صرفا، دون طلب من القنوات النظامية، ما هي إلا محاولة لتحقيق أهداف سياسية باسم الدين، وما هي إلا عمل دؤوب ومستمر للتطاول على هيبة الدولة، وتقويضها من الداخل، وهذا الفعل أشد خطرا من العدو الخارجي، أيا كان.

وعليه، فإن السؤال الملح هو: متى تتنبه دولنا لخطر هذا الأمر؟!

[email protected]