ما معنى الكِبِر؟

TT

مر بنا خلال نصف قرن أسماء صحافيين كبار، بالإنجليزية والفرنسية، في أميركا وأوروبا. وسوف أعدد بعض هؤلاء، مع العلم أن عددا من الأسماء لا يعني شيئا، لمعظم القراء، خصوصا من الأجيال الشابة: والتر ليبمان، وجيمس رستون، وفلورا لويس، في الولايات المتحدة. فرنسوا مورياك ،وجان جاك سرفان شرايبر، ولوبير بوف ماري، في فرنسا.

ماذا جعل الناس تسمي هذا النوع من الكتّاب «كبارا» بين مئات الصحافيين المشهورين والأثرياء والذين تنشر مقالاتهم عشرات الصحف؟ الأخلاق. كتب فرنسوا مورياك، الديغولي، في مجلة شرايبر، الليبرالي. لكنْ كلاهما وقف من أجل قيم أخلاقية متشابهة. الكتاب «الكبار» في الغرب هم الذين لم يفسدوا أنفسهم ولم يفسدوا أحدا، وهم الذين صدقوا الحاكم والسياسيين والناس. ولم يكن مورياك يصغي إلى ديغول ممتدحا؛ بل كان يصغي ويقوّم. ووالتر ليبمان لم يكن كاتب البيت الأبيض؛ بل مفكر البيت الأبيض.

وكان الصحافي يعتبر كبيرا إذا اتخذ مواقف شجاعة حيال الدولة، في الحرب والسلم. والشجاعة لا تعني إطلاقا المعارضة أو الاعتراض، بل العدل والحق وحسن الرؤيا.. وطالما كانت الشجاعة في التأكيد والدعم، بعكس التيار الشعبي السائد. و«الكبار» هم الذين عارضوا سياسة أصدقائهم من الرؤساء في حرب الجزائر أو حروب جنوب شرقي آسيا. ولمع في فرنسا اسم كاتب يساري من أصدقاء فرنسوا ميتران، يدعى ريجيس دوبريه، لكن دوبريه ما لبث أن ابتعد عن الرئيس في موقف أخلاقي، وكانت آخر مواقفه كتابا بعنوان «رسالة إلى صديق في إسرائيل». كان شارل ديغول ينتظر مواقف «الموند»، وليس العكس، وكانت الأحزاب الحاكمة في أميركا وأوروبا تنتظر لتعرف مواقف الصحافيين الكبار، وليس العكس. وفي العالم العربي لم يلمع أحمد بهاء الدين وغسان تويني وجلال أمين وسلامة أحمد سلامة وتريم عمران وأحمد الربعي وسلامة موسى وعباس محمود العقاد وأكرم زعيتر، فقط بسبب النهج الأخلاقي والاستقلالية وتقديم القيم على المصلحة أو الإغراء..

لم يكونوا أنجح الكتّاب في المال والشعبية، ولا عرفوا الثروات التي عرفها سواهم.. لكنهم حرصوا على أن يكونوا كبارا تجاه أنفسهم فصاروا كبارا في تاريخ صحافتهم وتاريخ بلدانهم.