من المسؤول عن انتحار العبدلي؟

TT

حادثة الشاب الانتحاري، البريطاني الإقامة، السويدي الجنسية، العراقي المولد، تيمور عبد الوهاب العبدلي، تستحق التحليل على مستويات تختلف عما اعتدناه من ملاحظات حول الجرائم المشابهة.

فالخطر الذي يشكله الإرهاب الأصولي اليوم هو على المسلمين أنفسهم، بأن تصبح الأعراض مرضا مزمنا في العقلية الجماعية للمسلمين.

الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة من سمات الأنظمة الشمولية، كالفاشية والنازية، ومؤخرا يدعي منظرو التنظيمات الإرهابية امتلاكها. وهو مبررهم لرفض «أنسنة» من لا يقبل بـ«حقيقتهم المطلقة»، ونزع آدميتهم مقدمة لتصفيتهم، سواء بقنابل انتحارية أو في عنابر الغاز وأفران حرق الآدميين أو ضربهم بقنابل الغاز الكيماوي.

وهناك حقائق بمعنى facts كشروق الشمس، أو حقائق البراهين العلمية كمرض السرطان الذي يبدأ بعضو واحد يستأصله الأطباء لإنقاذ الجسم، أو أشعة الراديوم، أو بنمذجة الدواء designer drugs الذي يستهدف الشريان الذي يغذي الورم فيحرمه من الأكسجين فيذبل ويتلاشى بلا حاجة إلى المبضع.

سرطان الإرهاب يصعب استئصاله دون الإضرار بجسم المسلمين (فالورم اليوم بينهم)، ولذا فنمذجة العلاج designer drug تستهدف الشريان الذي يغذي الورم في عقل ضحية كالعبدلي، وهو ورم نريد أن يذبل ويتلاشى دون الإضرار بجسم الضحية وعائلته.

السويد قدمت للأمم المتحدة أولى قوات حفظ السلام، كبلد بلا تاريخ استعماري ومجتمع متسامح، يتصدر قائمة العالم المتحضر في حسن معاملة المهاجرين.

مبررات العبدلي.. قوات السويد في أفغانستان (481 لم يسمع بهم أحد، لأنهم يقدمون خدمات إنسانية غير عسكرية)، ووجود رسومات كاريكاتير «معادية للإسلام» (ولم يرها أو يسمع بها غالبية السويديين).

البروفايل الشخصي (والظروف المعيشية والثقافية) لا يتسق وبروفايل من ارتكبوا أعمالا إرهابية لأسباب تشابه مبررات العبدلي (كقتلة المفكر المصري فرج فودة، أو من طعن الروائي الراحل نجيب محفوظ في رقبته).

لم يعش في مخيمات لاجئين بسبب سياسة السويد الخارجية، ولا تبرير لحقده على بلده (السويد لأنه عاش فيها وبريطانيا بعقلية البالغ أكثر مما عاش من سنوات طفولته في العراق، ولذا لم يستطع من عبث بعقله دفعه لارتكاب عمل ضد بريطانيا بحجة غزو العراق).

أعلن العبدلي على الإنترنت طلبه زوجة ثانية، وهو متزوج من حسناء شابة مطيعة (بدليل تنفيذها طلبه بتحولها من المسيحية إلى الإسلام). عقليته غير سوية لا تتسق وعقلانية نشأة سويدية - بريطانية؛ وقد يكون إعلان طلب «العروسة» رسالة سرية مشفرة.

الحالة الذهنية للعبدلي مضطربة، والأرجح هناك مجرمون حقيقيون عبثوا بعقله وضحوا بحياته رخيصة بهدف بعيد المدى، هو تغير نمط (إفساد) حياة المسلمين في السويد.

فأصحاب الآيديولوجية الشريرة، «يكفرون» المسلمين «الخوارج» عن «الحقيقة المطلقة» التي لا ترى في الاسلام غير «الجهاد». ليس بمعناه السامي «الجهاد الأكبر»، أي جهاد النفس لتنضبطself discipline في معادلة التوازن بين العقل والروح، واضعا الأول في خدمة الثانية في التسامي نحو الأفضل (أي التسامح والحب والسلام)؛ وإنما بمعناه المنحرف المريض الضيق في دائرة «القتال».

مسلمو السويد عند منظري الجهاد المنحرف «خوارج» عن إطار حقيقتهم المطلقة.

ووسيلة عودتهم لإطار الحقيقة المطلقة للجهاديين.. تحويلهم إلى حالة غيتوهات مسلمي بريطانيا. عراك يومي بين شبابهم والعنصريين البيض أو مع البوليس.

مناطق أصبح مسلموها موضع اشتباه من الجيران والبوليس وأجهزة الأمن والصحافة إلى أن يثبت العكس (بتكرار أعمال عنف أو مظاهرات استفزازية يقودها الجهاديون). زعماء آيديولوجية الإرهاب يستهدفون السويد لأنها دار سلام تحتضن 457 ألف مسلم يعيشون في رخاء ويتمتعون برعاية صحية واجتماعية ومستوى تعليم عال، مقارنة مثلا بباكستان أو إمارة أفغانستان الإسلامية سابقا، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وغيرها مما يراه الأصوليون نموذجا للدولة الإسلامية. وهم يريدون تحول السويد من دار حب وسلام إلى «دار حرب»، يفتح فيها الجهاديون جبهة أخرى لنشر الإسلام فوق أشلاء ضحايا القنابل.

والعبدلي ليس ضحية الجهاديين فقط. فإمام مسجد لوتون (بإنجلترا حيث أقام العبدلي) قال إن العبدلي حضر دروسه في المركز الإسلامي وكانت آراؤه متطرفة، فدحضوه في المناظرات ومنعوه فعليا من الحضور. وبعد تفسير الإمام جريمة العبدلي بالإحباط، وجه اللوم لنفسه بعدم احتضان العبدلي لإصلاح ما فسد في ذهنه!

ولم يقدم الإمام تفسيرا مقنعا عن إخفاقه في تحذير أجهزة الأمن، وإلا كان منع العبدلي من قتل نفسه على الأقل وحرمان أطفاله من أبيهم.

وهذه الملاحظة بالذات هي ما قصدته من إضرار السرطان بالعضو الأساسي (أي المسلمين) أولا قبل انتشاره في بقية الجسم (أي الإنسانية).

فالمسلمون يرفضون التبليغ عن «مسلمين» مثلهم لأجهزة أمن «غير إسلامية»؛ بل «يبررون» انحرافهم بسياسة خارجة للحكومات، بينما الضحايا من المواطنين، وليس العسكر أو الساسة. هذا الاعتقاد الساذج الخاطئ يكلف الأرواح.

ألا يتحمل إمام مسجد لوتون ذنب موت الشاب العبدلي (كضحية خدعه الجهاديون)، وكان يمكن أن ينقذ حياته بإخطار أجهزة الأمن؟

هل لو كان العبدلي ابنا للإمام، وعجز عن منعه بالحسنى بالعدول عن الانتحار بـ«غزوة استوكهولم»، أما كان سيخطر المسؤولين لاعتراض طريقه، كما فعل أبو النيجيري عمر الفاروق الذي حاول إشعال فتيل متفجرات في ملابسه الداخلية العام الماضي؟

فلتسأل أي أب عن الخيار، سيفضل أن يرى الابن في قفص الاتهام ويستأجر المحامين للدفاع عنه، على خيار التعرف على جثته الممزقة في المشرحة.

بيت القصيد هنا أن القضاء على خلايا سرطان الإرهاب الخبيث هو في يد المسلمين أنفسهم للتعرف على من عبث المجرمون بعقولهم، ومحاولة إنقاذهم بجميع الوسائل، بما فيها الخروج عن الوهم المسمى بالخصوصية الإسلامية، أو إبقاء الأمر بين المسلمين أنفسهم، بتبليغ أجهزة الأمن عنهم؛ فإنقاذ الحياة الإنسانية يجب أن يسبق أي اعتبار، لأن من لا يعطي وزنا لحياة الإنسان، لا يستحق الانتماء إلى السلالة البشرية.

وكالعادة أتوقع أن تصل إلينا رسائل «التبرير» الإلكترونية، بإقحام فلسطين والصهيونية، أو الإمبريالية الأميركية وحملتها على المسلمين في الأمر كمبرر للإرهاب (رغم أن العبدلي لم يأت بذكر لفلسطين أو القضايا المعتادة في رسالته الساذجة بإدانة الوطن الذي شب فيه وشمله برعايته الصحية والتعليمية).

والسؤال لكاتبي هذه الرسائل، خاصة لمواطني الديمقراطيات الغربية منهم: هل لو كان ثمن الانتقام، مما تحمله رسائلهم من مبررات، من الغرب، هو أن يكون حامل القنبلة الانتحاري ابنا لكاتب الرسالة، أو تكون زوجته وأطفاله بين المتسوقين في الشارع الذي ستنفجر فيه القنبلة؛ هل سيكون من المتحمسين لهذه الحملة العبثية العدمية ضد الآخرين؟

فلماذا ترتضون أن يحل بالآخرين ما تستعيذون بالله من وقوعه بكم وبأهلكم؟