الكويت: شغب!

TT

انهالت الشرطة الكويتية بالضرب بالهراوات على نواب من المعارضة كانوا يشاركون في تجمع عام غرب مدينة الكويت - «الشرق الأوسط» 10 ديسمبر 2010.

الخبر أعلاه تداولته الصحف ووسائل الإعلام العربية والدولية، ونددت بالفعلة المنظمات الدولية لحقوق الإنسان في العالم. كثيرون من محبي الكويت والمعجبين بديمقراطيتها استهجنوا هذا العمل واستغربوا حدوثه. سأقف عند هذا الحد بوصف هذا العمل الغريب على الكويت لأسباب تتعلق بالنشر نفسه.

جرتني كلمة «شغب» لأصلها اللغوي ومعانيها، ظننتها مستعارة من لغة أخرى، فوجدتها عربية أصيلة، إذن الشغب عربي بامتياز لغوي، لكن الشرطة المرتبطة بالشغب مختلف على تسميتها في العربية الحديثة، فالناس تسميهم «شرطة الشغب» والحكومات تسميهم «شرطة مكافحة الشغب». إذن الشعوب تسميهم «شرطة الشغب» - في كناية ليست بخافية على فطن، والحكومات تخصص شرطة لمكافحة الشغب.

وشَغَبَ تعني هيّج الشر عليهم، لكنها تغيرت في معناها لتعني الشر نفسه.

حين كنا صغارا كانت كلمة الشغب ترتبط بعدم الانضباط السلوكي في المدرسة، فكان «المشاغب» يعاقب، والعقاب تدرج حينها بأشكال مختلفة: الوقوف في مواجهة جدار الصف مرفوع اليدين وإحدى الرجلين، وإذا تعبت وأنزلها المشاغب، يمكن أن يتلقى ضربة من الأستاذ على قفاه بالعصا. كما كان من عقوبات المشاغبين الضرب، وأخفه «الطراق» - أي القلم أو «الألم» في مصر، وهو الكف في الشام، والراشدي في العراق. وصف صدام حسين غزوه للكويت واحتلالها والتنكيل بأهلها - بعد سنين من تحريرها - بأنه مجرد «راشدي»!

كما كانت العصا تستعمل لضرب المشاغبين، حيث انتشرت «الجحّيشة» وهي الفلقة بمعظم اللهجات العربية. لا أستطيع الجزم بأنها - كلمة «الجحّيشة» - مشتقة من الجحش أي صغير الحمار!

كان المدرسون والأهل يحذرون الطلبة «الشطار» من مصاحبة المشاغبين. والشاطر حديثا تعني الذكي المجتهد، لكن معناها في الماضي «الخبيث المراوغ» وقد غيرت معناها الحديث إلى عكس ما كانت تعنيه في الماضي. وقد كتب عنهم أستاذي الراحل الدكتور محمد رجب النجار كتابا يشرح سلوكهم عنوانه «الشطار والعيّارين» وهو من سلسلة كتب «عالم المعرفة» الكويتية.

كثيرا ما حذرني أبي رحمه الله في صغري من مرافقة المشاغبين بقوله لي: «يا سعد يا ولدي، ترى الجربا تعدي الصاحية»، وهو مثل يقابله في لهجة أهل الشام: «التفاحة الخربانة، تخرب سلة التفاح». المثلان يعكسان البيئة: الجِمال مقابل التفاح! لعل أشهر المسرحيات العربية في القرن الماضي مسرحية «مدرسة المشاغبين»، فكاهة المسرحية أنها تحاكي «شقاوة» حياتنا حين كنا تلاميذ بالمدارس. وبالمناسبة فإن الشقاوة جاءت من الشقاء، وهي تختلف في معناها من لهجة إلى أخرى، فالشقاوة في العراق تعني «الأبظاي» في الشام، والبلطجي في مصر، والمهاوشجي أو المشكلجي في الخليج.

و«مدرسة المشاغبين» واحد من أشهر المواقع الحوارية الإلكترونية العربية، وهو موقع يستقطب ربع مليون زائر يوميا تقريبا، وقد اختار القائمون عليه هذا الاسم لأنه يحاكي كوامن خافية في عقولنا الباطنة تؤيد الشغب والتمرد وتحث عليه. لعل ذلك نابع من عدم رسوخ فكرة الدولة الحديثة في عقلنا الباطن، أو ربما لعدم إيماننا بما هو قائم من أنظمة عربية تدعي أنها لدول تحكم بسيادة القانون وهي ليست كذلك!

تتشابه كلمة الشغب مع كلمة «سغب» لفظا، والسغب هو الجوع، وغالبا ما يقود السغب إلى الشغب فتقمعه قوات «مكافحة» الشغب. تجتاح أوروبا هذه الأيام موجات احتجاجات تتخللها أعمال شغب. حكومات أوروبية تتبنى سياسات تقشفية وخفضا للإنفاق على حساب حياة الرفاه لتقليل عجز الموازنات وتحاشيا للجوع والسغب.

ثمة رابط بين الشعب والشغب والسغب والحرية والشطارة والشقاوة والشرطة!!