مشكلة المجتمعات المفتوحة

TT

الأميركيون بالطبع غاضبون جداً مما حصل لهم، ويعزون ذلك الى انهم مجتمع مفتوح جداً يخلو من القيود على الفرد الذي يعيش فيه، إذ يستطيع قطع البلاد كلها من المحيط الى المحيط بكل حرية وعفوية دون ان يعترضه احد، أو يبادره اخر بسؤال، أو استفهام.

فالمكسيكيون على سبيل المثال، الذين يتمكنون من التسلل عبر الحدود مثلاً، سرعان ما يختفون وسط هذا المجتمع الواسع، دون ان يتمكن احد من تعقب اثرهم، أو توقيفهم.

والذي زاد من شدة غضب الاميركيين ان الذين قاموا بالهجمات الاخيرة هم جماعة من «الغرباء»، وليسوا مواطنين، كما تزعم السلطات هناك طبعا، مما يشير إلى ان بمقدور أي شخص استغلال حرية الحركة والتصرف في هذه البلاد لأغراض ونيات سيئة، والى سهولة التعامل مع الامور في هذا البلد الواسع المترامي الاطراف بحرية مطلقة.

من هنا يزعم بعض الاميركيين المتزمتين انه لو كان في البلاد هذه نظام بوليسي صارم لما حصل الذي حصل، ثم ان لكل شيء ثمنه في النهاية.

أحد هذه المآخذ التي يشير اليها الأميركي هذه الايام، سهولة الحصول على المعلومات. إذ يكفي ان تفتح جهاز التلفزيون لتنهمر عليك كالسيل العارم من كل جهة وصوب، خاصة ان معظم هذه المعلومات باتت تتوقر آنياً، وربما في الزمن الحقيقي.

فعن طريق الاقمار الصناعية، وأغلبها أميركي، بات يحصل المواطن العادي على اخر اخبار الطقس دقيقة بدقيقة. وهنا يقول بعضهم ان المعلومات الوفيرة والشاملة التي توفرها مثل هذه الاقمار وشبكة الانترنت ومراكز الاستعلامات المنتشرة في جميع انحاء البلاد، لا بد وانها استخدمت من قبل المخربين في التخطيط لهجماتهم وتنفيذها.

ويمكن التوصل الى المعلومات هذه ليس عن طريق الاقمار التابعة لوزارة الدفاع ودوائر الاستخبارات، لأن هذه خاصة بها، ولا يستطيع اي كان من الاشخاص العاديين الحصول على معلوماتها، بل من الاقمار التجارية التي توفر معلوماتها للراغبين في تسديد ثمن الفاتورة.

ويؤكد هذا الكلام بروس ماهون الخبير الفضائي في جمعية الصناعات الفضائية والجوية بقوله «إذا رغبت في مجتمع حر وسمحت للجميع بالحصول على معلومات دقيقة وحساسة، وربما مصنفة، فعليك ان تسدد ثمن ذلك. اذ سيكون بامكان المواطن العادي اذا رغب الحصول على صور فضائية للوحات ارقام السيارات مثلاً، وخرائط ثلاثية الابعاد، وهواتف بسيطة نقالة للاتصال عبر الاقمار الصناعية، واجهزة للنظام الشامل لتحديد موقع اي بقعة على الارض، فضلا عن معلومات كاملة عن اي مدينة، أو منطقة وسكانها، وسبل الوصول اليها. ويعزز كل ذلك شبكات الكابل التلفزيونية ومحطاتها الفضائية التي تذيع نشرات مفصلة على مدار الساعة».

واكبر دليل على ذلك قدرة اي طالب شراء صور فضائية للجامعة التي ينتمي اليها عن طريق شركة «سبوت إميجس» مثلاً التي توفرها بسعر 199 دولاراً، وصور كوسوفو ومقدونيا التي كانت تستخدم سابقاً في تدريب قوات حلف الاطلسي. كذلك الحال بالنسبة الى شركة ايكونوس للصور الفضائية التي تبيع صورها للشركات والمؤسسات.

الغريب في كل ذلك انه لا وزارة الدفاع الاميركية، التي وفرت اقمار النظام الشامل لتحديد المواقع لأي مواطن في العالم، ولا وكالة الأمن القومي، استطاعت ان تقدم تفسيراً معقولاً حول كيفية عدم استغلال هذا الفيض الواسع من المعلومات لاغراض سيئة. وهنا تكمن مشكلة المجتمعات المفتوحة، واولها الولايات المتحدة.