عصر الموسيقى والموسيقار

TT

فاكهة معرض الكتاب في بيروت، هذا العام، كتابان للناقد جهاد فاضل، عن «نغم مصر»، أم كلثوم، وموسيقار العرب، محمد عبد الوهاب، ولم يعطه المؤلف لقبا أو رتبة بل كتابا. ولست أدري لماذا أم كلثوم «نغم مصر» وحدها، وقد طاب صوتها وقصيدها لجميع العرب، وهام بها كبار مغني العالم، من بوب ديلان إلى اليونانية نانا موسكوري، التي كانت للأغنية الفرنسية ما كانته مواطنتها ماريا كالاس للأوبرا العالمية.

لكن بعيدا عن العنوان الحاضر، يقدم جهاد فاضل سيرة بانورامية لعملاقي مصر الفنية، وعنواني القرن الماضي. ويميل إلى الاستخلاص أن عبد الوهاب موهبة مجردة صقلتها رعاية أحمد شوقي. وفي كتابة السيرة خيط رفيع ما بين سرد الحقائق بأشواكها وما بين إهمالها والوقوع في النقص. وأيهما أسلم؟ وإذ يختار المؤلف مبدأ الحقائق والتفاصيل، يترك، متعمدا، ولكن بأدب جم، الكثير من الأسئلة حول الصداقة التي جمعت أمير الشعراء مع ممثل شاب مجهول، بالكاد يقرأ ويكتب. وسوف يتحول هذا الوسيم الفقير، بسبب رفقة شوقي الدائمة، إلى شخصية مثقفة وراقية ولها مكانة في طبقات المجتمع العليا. وحتى «المخاوف والوساوس» التي عرفت عن عبد الوهاب، نقلها عن شوقي، الذي ظل لصيقا به، في إقامته وفي ترحاله، حتى وفاته.

يتهم جهاد فاضل بعض مؤرخي عبد الوهاب بـ«الخبث»، ومنهم سعد الدين وهبة، الذي وجه إلى الموسيقار أسئلة شبه مباشرة، في هذا الباب. لكن ذلك لا يخلو من خبث عند الناقد الأدبي المعروف، والمثقف العربي الذي أضاع الكثير من مكانته في نثار القضايا الصغيرة. لعله يأخذ هو أيضا بما لمحت إليه دواوين تلك المرحلة من بدايات أمير الموسيقى ونهايات أمير الشعراء. وعدا ذلك، أو إلى جانب ذلك، فالكتاب متعة أدبية ترد الكثير من الاعتبار إلى مؤلفه. وهو مصوغ بمهارة وجهد مألوف. ويضاف إلى مجموعة ممتازة من المؤلفات التي صدرت عن «موسيقار الجيل»، خصوصا أوراقه التي حقق فيها فاروق جويدة، التي قال فيها الرجل الذي أحزنه انحطاط العصر: «في هذا الزمان تغني الراقصات وترقص المغنيات».

وكان عبد الوهاب يسترئي المستقبل عندما قال إن الصوت البشري لن تكون له سيادة بعد اليوم، وسوف يتحول المطرب إلى «صاحب دور» وسط مجموعة من آلات الموسيقى وطغيان اللحن. أما هو فحتى ألحانه لم تستطع أن تطغى على شيء من أوتار نغم مصر والعرب الجميل، التي أدت أجمل أغانيها وأغانيه.