إذن.. من يضع سياسة إيران الخارجية؟

TT

كلام جميل ذاك الذي قاله وزير الخارجية الإيراني بالإنابة، علي أكبر صالحي، عن ضرورة تحسين علاقات بلاده بالمملكة العربية السعودية، حيث يقول صالحي إن «السعودية تستحق إقامة علاقات سياسية مميزة مع إيران، وإن إيران والسعودية يمكنهما كدولتين فاعلتين في العالم الإسلامي حل كثير من المشكلات معا».

لكن يبقى سؤال مهم ليتأكد المتابع من أن ما يقوله صالحي حقيقة، وليس مجرد تقية سياسية جديدة من قبل طهران، الهدف منها تحييد السعودية أو تشتيتها في المرحلة المقبلة، وخصوصا أن الوثائق الأميركية أظهرت أن الإيرانيين يعون جيدا موقف الرياض تجاه نياتهم النووية، وذلك ليس من خلال قراءات الدبلوماسيين الأميركيين في وثائق «ويكيليكس»، بل من خلال ما قيل للإيرانيين وجها لوجه من قبل أعلى سلطة في السعودية.. حيث تكشف أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز كان قد قال للإيرانيين إنه ليس لكم علاقة بقضايانا، واكفونا شركم.. بل وظهر أنه قد منحهم فرصة لتحسين العلاقات. ولم تفعل طهران شيئا يذكر، وخصوصا أنه قد سبق للملك عبد الله أن قام من قبل بمد الجسور مع إيران رفسنجاني وخاتمي.

وعليه، فإن السؤال الملح الآن هو: من الذي يضع سياسات إيران الخارجية؟ هل المرشد الأعلى، أو الرئيس الإيراني، أو وزير الخارجية؟ فبحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، رامين مهمنبراست، فإن «سياسات إيران الكبرى تحدد على مستويات أعلى، ووزارة الخارجية تنفذ هذه السياسات». ومن يقرأ تصريحات صالحي عن ضرورة تعزيز العلاقات مع السعودية، نظرا لثقلها الإسلامي والاقتصادي والعالمي، يجد أنها اعتراف إيراني رسمي بأن سياسات طهران الخارجية تجاه الرياض كانت خاطئة، وفاشلة. ولذا، فهم يحاولون اليوم ترميمها، لكن هل هذا يعني أن متقي كان أقوى من المرشد والرئيس منذ عام 2005، ولم يكن بمقدورهما فعل شيء إزاء سياساته الخاطئة تجاه السعودية؟ أمر لا يعقل، بل لا يستقيم ولا يصدقه عقل، فما هي القوة التي كان يعتمد عليها منوشهر متقي حينها وهو رجل لا يدير قوات مسلحة أو ميليشيا، بل إن إجراءات عزله قد تمت بشكل مهين، مما يوحي بأنه لا حول له ولا قوة؟!

بالطبع نتمنى أن تكون علاقات إيران جيدة، ومستقرة، مع الجميع وليس السعوديين وحسب، لكن السياسة ليست بالأماني والأقوال، بل لا بد أن تكون مقرونة كذلك بالأفعال. وستظل هذه مشكلة إيران الحقيقية مع كل دول المنطقة، وليست الرياض وحدها، مهما قيل من كلام دبلوماسي منمق، وخصوصا أننا بتنا نلحظ اليوم لغة أكثر وضوحا في العلن من دول المنطقة، والسعوديين، تجاه إيران، وذلك لأننا بتنا نعيش مرحلة ما بعد وثائق «ويكيليكس» التي يجب أن تشعر الإيرانيين بالقلق، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه لم يلحظ أي غضب أو انتقاد عربي، سواء شعبي أو إعلامي، على ما قيل بحق إيران في وثائق «ويكيليكس» من قبل دول المنطقة، وهذه ملاحظة تستحق التأمل طويلا من قبل الإيرانيين.

[email protected]