ذكريات غير مشرفة

TT

سألني أحدهم قائلا: لماذا لا تكتب مذكراتك؟!، طبعا لم أجبه، ولا أدري إلى الآن هل ذلك السائل غبي أم أنه متهكم؟!، وأظن أن الاحتمال الثاني هو الأقرب للحقيقة.

ولكنني الآن سوف أرد على سؤاله الذي أتحفني به قبل عدة أشهر وأقول له:

إنني لن (أخربط) مزاج الناس في كلام لا يسمن ولا يغني من جوع، لأنني أدرى الناس بنفسي اللوامة الملتاعة، التي لا شيء لديها (ألبتة) سوى نفض الغبار لا أكثر ولا أقل.

فليس لدي لا علم ولا أدب ولا مال ولا حتى خيل كي أقدمها وأهديها، فما أنا سوى متسول أتى لهذه الدنيا كي يمد يديه المعروقتين للمحسنين، فهناك من أعطاني رغما عن أنفه، وهناك من أشاح بوجهه عني اتقاء لشري، وهناك من يريد قتلي، فقبلني قبلة الموت فمات هو مسموما.

لست بذلك الإنسان الخطير، وليس لدي كنز من المعلومات لكي أخفيه، وفوق ذلك كله أؤكد أنني لست شغوفا إلى هذه الدرجة بمحبة الآخرين ولا بمجاملتهم ولا بمناصحتهم ولا بمعاداتهم كذلك.

إنني لا أطلب منهم سوى أن يتركوني بحالي (أرمح وأنطح) كيفما أشاء، وأعدهم أنني لن أكون مؤذيا لأحد، فمرحلتي التي أعيشها الآن في هذه الحياة هي أحرج مرحلة بدأتها من المهد باكيا، وسوف أنهيها في اللحد ضاحكا ومستلقيا على ظهري.

ولكي أثبت لسائلي مدى فداحة وتفاهة ذكرياتي فإليه التناتيف الساذجة منها:

أذكر فيما يذكر المجنون أنني عندما كنت في المرحلة الابتدائية شاغبت مع زميل لي، فعاقبنا المدرس بأن يكتب كل منا اسمه مائة مرة، فأنهيت عقابي سريعا خلال أقل من خمس دقائق، فيما أخذ زميلي يكتب ويكتب ومرت أكثر من عشر دقائق دون أن ينهي عقابه، وعندما نهره المدرس على بطئه أخذ يعتذر ويبكي، واتضح أنه كان يكتب اسمه خماسيا - أي اسمه متبوعا بوالده وجده ولقبه وقبيلته، فيما كنت أنا أكتب اسمي الأول فقط من شدة افتتاني بنفسي - وللمعلومية فزميلي ذاك كان على الدوام من الأوائل في الصف، فيما كنت أنا دائما من الأواخر تقريبا.

هل تريد المزيد من الذكريات يا حلو؟!، إليك الثانية وذلك بعد أن اشتد عودي وذهبت لكي أدرس (وأتصرمح) في الخارج، وبينما كنت سائرا في أحد الميادين مع أحد زملائي، ومرت بجانبي إحدى النساء وكانت تفتش وتبعثر في شنطتها المفتوحة، وسقط من شنطتها شيء ما، ونكصت على أعقابها تبحث عنه، فيما وقفت أنا ثابتا في مكاني كالصنم، وعندما افتقدني صديقي رجع لكي يحثني على المسير معه، غير أنني رفضت وحرنت واقفا لا أتزحزح، واعتقد المسكين أنني معجب بالمرأة وأن لي مآرب مشبوهة معها، وبعد أن سألتني هي إن كنت قد شاهدت الذي سقط منها فنفيت ذلك بشدة، بعدها يئست من البحث وأكملت مسيرتها، وما إن اختفت عن ناظري حتى رفعت قدمي عن عملة نقدية ورقية كبيرة، وكانت تلك العملة المباركة هي التي عشتنا وسهرتنا وبسطتنا في ليلة صاخبة لن أنساها، وفي تلك الليلة بالذات تقمصت أنا شخصية حاتم الطائي، وفي كل وصلة من وصلات تلك السهرة كنت أدعو بطول العمر لتلك المرأة، متمنيا أن يكثر الله من أمثالها.

الذي أنا متيقن منه أن الله سبحانه قد كتب ذلك التصرف وجعله في ميزان سيئاتي، وهذا اعتراف لا أنكره، ولكنني أظن أنني تبت، وخير الخطائين هم التوابون.

فأي مذكرات وأي ذكريات أنت تسألني عنها يا سيدي السائل إذا كانت هي على هذا المستوى وهذا المنوال؟!، ادع لي فقط بالهداية وأن يفتح الله بصيرتي على كل جمال أنا مشغوف ومبتلى به.

[email protected]