ابنة حزم

TT

يكتب جهاد فاضل «أم كلثوم.. نغم مصر الجميل» لجيل عرف أم كلثوم. ويكتب بما يليق بتلك المرأة التي قيل إنها كتبت ولحنت وغنت، بل كما قال الراحل كمال النجمي، إن أم كلثوم مسؤولة عن التطور الذي أنجز في الموسيقى العربية والغناء العربي في القرن العشرين. أما جهاد فاضل فيقول إن «أغنياتها في الحب والعشق والوجد والسهر واللوعة والضنى والدموع وسائر مفردات قاموس العاشقين باقية ما بقي القلب البشري ينبض وينزف، وما دامت عيون العشاق تذرف الدمع جهرا وسرا».

وفي تولهه بأم كلثوم - وتولهنا - يقول جهاد فاضل إن كتاب الحب في أغانيها لا يقل أهمية عن كتاب الحب الذي وضعه ابن حزم الأندلسي في «طوق الحمامة». ويقول إنها ما أعطت صوتها لقصيدة إلا وحولتها إلى مغناة. فمن غيرها قادر على إحياء شعر ابن النبيه الذي غنت له «هل في فؤادك رحمة لمتيم.. ضمت جوانحه فؤادا موجعا»؟ ولقد منحت الملحنين الذين غنت لهم، ما قد منحت الشعراء. ألم تتجاوز في بقائها الشيخ أبو العلا محمد والشيخ زكريا أحمد ومحمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد صبري النجريدي وسواهم؟ ألم تبعث البقائية في شعر أبي فراس الحمداني وابن النبيه وأحمد شوقي وأحمد رامي وعلي الجارم، ثم في شعر المحدثين عبد الله الفيصل والهادي آدم وجورج جرداق وسائر شعراء العامية المصرية؟

إنها مغنية حب ووله. وأهوى «الحب كده»، وكده يعني «وصال ودلال ورضا وخصام». أما ما غنته أم كلثوم للحكام فذهب إلى أرشيف الإذاعة ينام في كهوفه. عشر أغنيات للملك فاروق، وأغنيات كثيرة لعبد الناصر وثورة 23 يوليو، لكن الناس لا يرددون خلفها إلا «طول عمري باخاف، من الحب وسيرة الحب».. أو إذا كان الشعر فصيحا «ولي فيك يا هاجري صبوة.. تحيّر في وصفها كل صب».

واضح من نص جهاد فاضل، الذي تميز في الماضي ببرودة الحس النقدي، أو الأصول النقدية، أنه فقد هنا هدوء الماضي وخرج يغني مع أم كلثوم، أو لها. وسوف يطحن في الطريق كل الحجارة. وها هو يصرخ «أم كلثوم هي المؤلفة لنصوصها، كما هي مؤديتها العبقرية، فمن يذكر أو يتأكد الآن أن بيرم التونسي أو مرسي جميل عزيز أو عبد الفتاح مصطفى أو حسين السيد، مؤلف هذه الأغنية الكلثومية أو تلك؟ لم يبق من هؤلاء المؤلفين شيء يذكر. فالذكر كله لهذه المغنية التي قدمت من إحدى القرى المصرية إلى القاهرة، واكتسحت في طريقها كل من صادفته من مطربي ومطربات زمانها».. وفاته أن يضيف: وفي زمان سواها أيضا.