المنطقة إلى أين.. مع اقتراب نهاية 2010؟

TT

«لا ضرر من التغيير إذا كان في الاتجاه الصحيح»

(ونستون تشرشل)

بصفة عامة، قلما حالت الأحوال الجوية السيئة والتحضيرات لاستقبال الأعياد، اللبنانيين من التكلم في السياسة. واليوم، في عز الطقس الشتوي القارس والعد التنازلي لاحتفال اللبنانيين بالميلاد ورأس السنة، تظل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الموضوع الأكثر سخونة.. في لبنان.

الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، قال كلاما جديدا في أواخر الأسبوع بعد إطلالة الأمين العام السيد حسن نصر الله العاشورائية. وفي حين اتسم كلام السيد نصر الله بالهدوء النسبي من دون إغفال جدية المضامين السياسية والأمنية التي يتعامل معها «الحزب» إزاء القرار الاتهامي المرتقب، فإن قاسم قال: «إن القرار الظني ترنح ومات وأصبح بلا لون أو طعم أو فائدة... لو افترضنا أن صدور القرار الظني غدا فلن يتغير شيء في الواقع القائم لأننا دفناه قبل أن يصدر».

لا 7 أيار جديدة إذن. ربما!

«الحزب» حاول جهده خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الدفع نحو التصويت لحسم قضية «شهود الزور». غير أن الطرفين اللذين كان يريد إحراجهما – أي وزراء رئيس الجمهورية ووليد جنبلاط – تفادوا التصويت الذي لا يريدونه، لمنع القطع النهائي. والسيد نصر الله اتهم الحكومة، صراحة، بحماية «الشهود الزور»، في إصرارها على الامتناع عن إحالة قضيتهم إلى المجلس العدلي. ومن قبله، كرر السيد محمد رعد، رئيس الكتلة البرلمانية لـ«الحزب»، القول ما معناه أن وضع لبنان قبل صدور القرار الاتهامي سيكون غير ما بعده. ثم إن بعض أتباع «الحزب»، ومنهم النائب ميشال عون وغيره، ما زالوا يصعّدون...

لماذا، إذن، اختار الشيخ قاسم التهدئة على طريقته؟ هل ثمة تغيرات في قراءة المستجدات الإقليمية؟ وهل توجد معطيات جديدة لكل من الحوار الفرنسي - السوري، والتغيير في وجه الدبلوماسية الإيرانية بعد إزاحة منوشهر متقي وتعيين الدكتور علي أكبر صالحي في مكانه؟

لقد قيل كلام كثير خلال الأيام القليلة الماضية عن «فشل» ما في حوار باريس الأخير بين الرئيسين نيكولا ساركوزي وبشار الأسد. وكان كلام الرئيس الأسد أمام «الإليزيه» مستغربا عندما أشار إلى «ضرورة» أن يكون أي قرار اتهامي تصدره المحكمة الخاصة بلبنان «مستندا إلى أدلة»، وكأن المحاكم الدولية من هذا المستوى هيئات اعتباطية من عادتها «تعليب» التهم وملاحقة «الخصوم» بصورة استنسابية.

التفسير الذي أعطي لهذا الكلام هو أن الأسد لاحظ عند ساركوزي «التزاما» بالمحكمة، التي يقال إن دمشق لا تزال تتوجس خيفة منها.

الموضوع الإيراني، بالطبع مهم جدا، وأول كلام صدر عن صالحي، بعد توليه منصب وزير الخارجية بالوكالة، ينم عن شخص يتمتع بثلاث أفضليات عن سابقه: الأولى، قدراته التحليلية العلمية - وهو العالم النووي - للتحديات الإقليمية لإيران من حيث هي مشروع «قوة كبرى» نووية. والثانية، فهمه الجيد للعالم العربي كونه عاش ودرس في لبنان ويتكلم العربية. والثالثة، تماسه مع كيمياء التفكير الغربي وطريقة اتخاذ القرارات في دول وهيئات مؤسساتية، سواء من فترة دراسته في الولايات المتحدة أو عمله في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا. وصحيح أن صالحي، في نهاية المطاف ليس من يحسم في الشأن الخارجي داخل السلطة الإيرانية، لكن إسهاماته يمكن أن تكون أكثر تأثيرا عندما تنبع من إلمام عميق وهادئ بأبعاد الوضع المتأزم في المنطقة، الذي ما كان ينقصه ليزداد تأزما وشكوكا.. غير تسريبات «ويكيليكس»!

يبقى لاعب ثالث، من المفيد رصد تحركاته ومناوراته خلال هذه المرحلة هو إسرائيل. فإسرائيل هي «الجوكر» القوي والحاضر الغائب في كل التحركات. وما ستفعله إسرائيل يستحق الرصد، سواء من منطلق سعي حكومتها الحالية لمواصلة الهرب من استحقاقات سلام لا تريده ولا تؤمن به، أو لاستثمار الجرح السياسي الموجع الذي مني به الرئيس الأميركي باراك أوباما في الانتخابات النصفية الأخيرة. والخيارات متعددة أمام إدارة إسرائيلية تشعر بأنها راهنا ليست تحت أي ضغط سياسي حقيقي. وحتى موضوع «البعبع» النووي الإيراني لا يقلقها. ويكفي أن رجلا ذا دراية بملفات المنطقة، مثل أوري لوبراني، لا يضع احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران ضمن الاحتمالات الاستراتيجية الخمسة التي ينصح بها، والتي يشكل «تشجيع الانتفاضة الداخلية» الاحتمال الأكثر راديكالية.