أميرات أوروبيات منتقبات.. حقيقة لا خيال

TT

«ألا يكفيكم يا دعاة التغريب الذين يحاربون الحجاب والحشمة والنقاب، أن الغربيات يوما ما، بل أميراتهن ونبيلاتهن كن محجبات، بل كن يغطين وجوههن بالكامل، سوادا في سواد، كما تفعل الخليجيات المتدينات هذه الأيام؟».

«النقاب ليس من الإسلام، وإنما هو إفراز صحوي من مخرجات حركات الإسلام السياسي، بدليل أن الأغلبية الساحقة من نساء العالم الإسلامي يكشفن وجوههن، وفي عصر (الغفوة)، نقصد الصحوة، سادت مظاهر التشدد، ومنها تغطية الوجه والنقاب».

هاتان العينتان المتناقضتان تختزلان الهوة التي ارتكس فيها الحوار بين الأطياف الفكرية المختلفة، جدلية عقيمة مخجلة فيها كل شيء إلا العقل والمنطق، بل فيهما استخفاف بعقول المتلقين وثقافتهم وإدراكهم ووعيهم؛ إذ ليس من المعقول أن يصدق أحد بوجود تغطية الوجه في الإرث الغربي الأوروبي، كما لا نعرف مصدرا من المصادر الموثقة قديمها وجديدها، الديني منها وغير الديني، يعطي مؤشرا على انتشار ظاهرة تغطية الوجه لدى النساء الأوروبيات، وأما اللقطة التلفزيونية التي نقلها المنافحون المتحمسون لتغطية الوجه والنقاب فهي لأميرة من العائلة المالكة النمساوية تمشي في موكب جنائزي لزوجها في أحد شوارع فيينا متشحة بسواد كامل غطى جسمها كله، بما في ذلك وجهها، حتى بدت كسيدة سعودية محافظة، وهذا ليس بغريب؛ إذ إن الاتشاح بالسواد الساتر تقليد قديم للتعبير عن الحزن على الميت وليس تقليدا دينيا لمزيد من الحشمة، ولو اكتفى المدافعون عن الحجاب بالأدلة والبراهين الكثيرة في القرآن والسنة وفعل الصحابيات وواقع النساء في الماضي القريب لأغناهم عن هذه الحجة التي تبعث على شماتة الخصوم، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال أن النساء الغربيات قبل قرننا العشرين المتفلت كن أكثر احتشاما؛ حيث الفستان الطويل والأكمام الساترة، كما تشاهدون في الأفلام والصور والرسوم القديمة.

في المقابل انظر أين تاهت بنا أدلجة الحوار والفجر في الخصومة إلى اعتبار أن النقاب أو تغطية الوجه إفراز للفكر الصحوي أو الإخواني أو الإسلام السياسي أو الآيديولوجية الطالبانية، مع أن النقاب، أو تغطية الوجه، هدي نبوي اتفق على سنيته الأغلبية الساحقة من العلماء قديما وحديثا، والخلاف الشهير حوله إنما ينحصر على الحكم عليه وجوبا أو ندبا، وفي آخر صرعات الفجر في الخصومة الفكرية نسبوا تغطية الوجه أو النقاب إلى الآيديولوجية السلفية، ومن كان أكثر جرأة ووقاحة صرح بأنهما شعيرتان وهابيتان لا علاقة للإسلام بهما أصلا.

الذي أحسن فيه المنافحون عن شرعية تغطية الوجه أنهم نقلوا لنا صورا فوتوغرافية قديمة جدا اطلعت عليها عبر المجموعة البريدية للإعلامي النشط الصديق الدكتور عبد العزيز قاسم، أثبتوا فوتوغرافيا كيف أن هذه الشعيرة كانت موجودة في أغلب الدول العربية ومنها مصر ومنطقة الحجاز والعراق والجزائر وليبيا والمغرب، حين كان الصحويون والإخوانيون والتبليغيون والطالبانيون والسلفيون المعاصرون والذين سيسوا الإسلام ساكنين كامنين بين الصلب والترائب، وقد لاحظ ذلك الشيخ علي الطنطاوي - يرحمه الله - قبل نحو قرن فقال، في ذكرياته الشهيرة، ما نصه: «ولقد عرفت نساء بلدي وأنا صغير بالملاءة، حتى النصرانيات واليهوديات في الشام لا يخرجن بغيرها، وكل ما يصنعن أنهن يسفرن عن وجوههن فتعرف بذلك النصرانية من المسلمة» - ذكريات الطنطاوي جزء 8 ص 274.

[email protected]