اعتذار.. ودعوة للاغتسال!

TT

يا لها من مفارقة عربية، فهذا وطبان التكريتي، أخو الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، يقف معتذرا للشعب العراقي عن التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبها حزب البعث بحق العراق وأهله، بينما يقف الرئيس السوداني مطالبا من احتجوا من مواطنيه على جلد فتاة سودانية بشكل بشع بأن يغتسلوا ويصلوا ركعتين ويعودوا للإسلام!

المفارقة أن وطبان وقف معتذرا عن أفعال حزب البعث بعد خراب بغداد، ويوم لا ينفع اعتذار، حيث دخلت البلاد في نفق مظلم من الرعب والخوف والطائفية، وبات العراق تحت احتلال إيراني مبطن، فبينما أعلن الأميركيون البدء في انسحابهم من بغداد، ما زلنا لا نعلم متى يعلن عن الانسحاب الإيراني. أما السودان فبينما هو يتأهب للانفصال، أي التقسيم، يقف رئيسه قائلا لمواطنيه: «إذا اختار الجنوب الانفصال سيعدل دستور السودان، وعندها لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع عرقي وثقافي، وسيكون الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع». بل ويقول مضيفا: «البعض يتحدث عن الفتاة التي جلدت وفق حد من حدود الله، والذين يقولون إنهم خجلوا من هذا عليهم أن يغتسلوا ويصلوا ركعتين ويعودوا للإسلام»!

فالسودان على شفا تقسيم والحكومة ما زالت تبيع مواطنيها نفس الشعار الذي جاءت باسمه للحكم، وهو أن الإسلام هو الحل، ولا يملك المرء إلا ترديد البيت القائل:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك في العبادة تلعب!

فالبلاد تحت طائلة العقوبات، والملاحقات الدولية، وقاب قوسين أو أدنى من الانقسام، والحكومة مشغولة تبرر جلد فتاة بصورة وحشية، وتتوعد مواطنيها بمزيد من التشدد في حال انفصل الجنوب عن الشمال، كمن يهدد بفقء عينه اليسرى في حال فقئت العين اليمنى!

وليس المقصود هنا الاعتراض على تطبيق الشريعة، وإنما القول إن السودان اليوم لا يعاني من انحلال أخلاقي، أو تفشي رذيلة، بقدر ما أنه يعاني من تفشي البطالة، وتسرب العقول، وانحسار ميادين إخراج الكفاءات كما كان ذات يوم، كما يعاني من عزلة دولية وتشرذم، فالسودان لا يزال إلى اليوم يطير بجناحي الشعارات للمجهول. السودان يعاني من صراعات داخلية سببها الحروب، والسياسات الخاطئة، وليس نقص الدين، فالعدل أساس الملك، أو الحكم، وقيمة الإنسان ودمه وكرامته مفضلة على كل شيء، وأغلى شيء، أوليس زوال الدنيا أهون على الله من دم مؤمن؟

أمر محير بالفعل، ويصيب المرء بالحرقة، فهل ننتظر كل ثلاثين عاما ليقف شخص ما، وبعد فوات الأوان معتذرا؟ فها هو الترابي اليوم يتكلم باسم حقوق الإنسان، وهو عراب خراب السودان اليوم، ولو عاد النميري أيضا لوقف يعتذر عن ما فعله بالسودان يوم تذكر تطبيق الشريعة في آخر سنوات حكمه فأوشك أن يجلد السودان كله!

القصة ليست قصة تشبيه أحد بأحد، وإنما المراد قوله: لماذا لا يستفيد العرب من التاريخ لكي لا يكرروا أخطاءهم؟ هذا ما يحير فعلا، فكل أخطائنا متشابهة، ومتكررة، للأسف، من لبنان إلى العراق، ومن اليمن إلى السودان، ومرورا ببعض دول الخليج العربي أيضا!

[email protected]