المشهد الانتخابي العربي 2010

TT

يستحق عام 2010 الذي يوشك على الانتهاء أن يطلق عليه اسم عام الانتخابات العربية. فقد شهدت ست دول عربية انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية، ومارس نحو 60 مليون عربي حقهم في التصويت والترشيح والانتخاب خلال هذا العام. وبعيدا عن البكائية العربية المزمنة، فإن انتخابات 2010 هي أفضل ما يمكن الحصول عليه، ومن المهم استثمارها من أجل تعزيز الإصلاح الديمقراطي، في واقع عربي يعج بثالوث الطغاة والغلاة والغزاة.

بدأ عام 2010 بالانتخابات العراقية التي جرت في ظل ظروف أمنية صعبة، وشارك فيها 6218 مرشحا، بينهم 1800 امرأة لشغل 325 مقعدا في مجلس النواب. كانت الانتخابات العراقية من أكثر الانتخابات العربية شفافية وشهدت مشاركة شعبية واسعة تجاوزت نسبتها 62 في المائة.

وفي أبريل (نيسان) 2010 جرت انتخابات رئاسية وتشريعية في السودان، في ظل مقاطعة أحزاب المعارضة التي شككت في سلامة إجراءاتها. لكن معهد كارتر لمراقبة الانتخابات أكد أن الانتخابات السودانية تمت في أجواء «مقبولة» من النزاهة وكانت المشاركة كثيفة في الشمال والجنوب السوداني المقبل على الانفصال.

وفي مايو (أيار) 2010 بدأت الانتخابات البلدية في لبنان بمشاركة 3.3 مليون ناخب، و7 آلاف مرشح، بما في ذلك 466 مرشحة تنافسن على الفوز بـ3507 مقاعد في 313 بلدية في عموم لبنان. وعلى الرغم من التخندق الطائفي، والاحتقان السياسي الذي يعيشه لبنان، أقر الجميع بنزاهة الانتخابات اللبنانية. أما البحرين فقد شهدت خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، انتخابات تشريعية وبلدية صاخبة انتهت بفوز كبير للمستقلين، وفوز غير متوقع للمعارضة ممثلة في جمعية «الوفاق» التي حصلت على 18 مقعدا، وهزيمة ساحقة لتيار الإخوان المسلمين ونواب التيارات الدينية السلفية.

وشهد الأردن خلال عام 2010 انتخابات برلمانية وصفتها منظمة «هيومان رايتس ووتش» بأنها «أكثر الانتخابات العربية نزاهة وشفافية»، حيث تم تجديد المجلس النيابي بنسبة الثلثين تقريبا، وهو أمر غير مسبوق في المشهد الانتخابي العربي المعاصر. لكن غلب على الانتخابات الأردنية الطابع العشائري الذي عاد بقوة إلى الواجهة السياسية، على حساب تراجع ملموس للأحزاب القومية والتيارات الإسلامية. وكان الحضور النسائي قويا، مشاركة وترشيحا وفوزا، حيث حصلت المرأة الأردنية على 11 في المائة من إجمالي مقاعد المجلس النيابي السادس عشر.

أما آخر الانتخابات العربية وأكثرها تسييسا وضجيجا فقد كانت الانتخابات المصرية التي شارك فيها 5181 مرشحا منهم 380 مرشحة، يمثلون 18 حزبا سياسيا بما في ذلك الوفد والتجمع والحزب الناصري والإخوان المسلمون. لكن على الرغم من الضجيج السياسي والإعلامي، كانت المشاركة الشعبية متواضعة كل التواضع ولم تتجاوز 10 في المائة في أحسن الأحوال. وانتهت الانتخابات المصرية، التي وصفها البعض بأنها «الأفضل»، في حين وصفها البعض الآخر بأنها «الأسوأ» في تاريخ مصر الانتخابي، بحصول الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم على أغلبية كاسحة بلغت 420 مقعدا من أصل 518 مقعدا في مجلس الشعب.

كانت قوة السلطة والثروة حاضرة في انتخابات 2010. فقد جرت هذه الانتخابات في ظل إنفاق سخي من قبل رجال المال والأعمال، وفي ظل قيود تشريعية محبطة، وتجاوزات إجرائية كثيرة، وظروف أمنية وسياسية صعبة. ومهما كانت نزاهة انتخابات 2010 فإنها لن تغير كثيرا في الحكومات والعقليات والنخب السياسية الحاكمة.

والمؤكد أن هذه الانتخابات لم تجعل العالم العربي أكثر ديمقراطية مما كان عليه عام 2009. فالدول العربية هي من أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان، وأقلها ديمقراطية وحرية. لقد تحدث تقرير التنمية الإنسانية العربية 2001 عن «عجز الحرية» في العالم العربي. وبعد مرور عقد على صدور التقرير لم تتسع كثيرا مساحة الحرية في الواقع العربي، بل إن جميع المعطيات تشير إلى أن عجز الحريات سيستمر طويلا، ولا يبدو أن هناك أملا في تجاوزه قريبا، خاصة بعد أن تراجع الحماس الشعبي والدفع الرسمي للانفتاح الديمقراطي.

صورة الحريات في العالم العربي قاتمة، ووضع الإصلاح السياسي متعثر، وجميع التحفظات على الانتخابات العربية الراهنة والسابقة واللاحقة مشروعة. لكن على الرغم من كل دوافع الإحباط والتشاؤم والتشكيك المحق، فإنه لا ينبغي إطلاقا الاستخفاف بانتخابات 2010، أو التقليل من شأنها.

لم تكن هذه الانتخابات كرتونية وصورية، بل كانت مختلفة في المجمل عن الانتخابات العربية السابقة التي تنتهي عادة بنتائج محسومة سلفا لصالح المرشح الواحد، والحزب الحاكم بنسبة 99.99 في المائة. وباستثناء الانتخابات المصرية، المثيرة للجدل والتي فاز فيها الحزب الحاكم بنسبة 80 في المائة، تمت الانتخابات العربية الأخرى في ظل مشاركة شعبية واسعة، ومساحة أوسع من الحرية والشفافية، واهتمام إعلامي عربي وعالمي غير مسبوق.

انتخابات 2010 خطوة متواضعة جدا لكنها ضرورية جدا في التحول الديمقراطي البطيء. لم تأت هذه الانتخابات من فراغ ولم تكن هبة من الأنظمة القمعية، بل هي خلاصة تضحيات وضغوط إصلاحية تراكمية، وتعبر عن نضج سياسي ووعي حقوقي أعمق. والأهم من كل ذلك هو توظيف الشرائح الشبابية لوسائل الاتصال الحديثة، والوسائط المتعددة، كمواقع الإنترنت، والمدونات وشبكات التفاعل الاجتماعي، لتداول الأخبار والمعلومات والآراء، والتأثير بالتالي في المشهد الانتخابي العربي الذي هو اليوم أكثر تنوعا ونضجا من أي وقت آخر. لقد تمت الانتخابات في كل من العراق، والسودان ولبنان والبحرين والأردن وحتى في مصر في ظل مساحة أوسع من الحرية، وأسهمت بدورها في رفع سقف الحريات في هذه الواحات المتناثرة من العالم العربي.

المهمة الرئيسية في مرحلة ما بعد انتخابات 2010 هي استثمار هذا الزخم الانتخابي من أجل تفكيك بنية السلطة السياسية العربية العتيقة كشرط من شروط إحياء المشروع النهضوي العربي الذي طال انتظاره.

* أستاذ العلوم السياسية

ـ جامعة الإمارات