أين ستكون حربنا المقبلة؟

TT

منظر الثلوج في أوروبا قد يكون مبهجا أو مسليا للبعض، لكن تحت هذه الثلوج هناك أخبارا غير سارة، ليس لأوروبا وحدها بل للعالم كله. والأمر لا يتعلق بمجرد المشكلات التي أحدثتها الثلوج، من إغلاق لعدد من المطارات، وإلغاء آلاف الرحلات، وعرقلة حركة القطارات وشاحنات النقل وسيارات الركاب. صحيح أن هذه المشكلات لها تبعاتها الاقتصادية والإنسانية، لكن حجمها يتضاءل بالمقارنة مع ما يتوقعه العلماء من كوارث ناجمة عن التغيرات البيئية التي لم تعد مجرد كلام وتوقعات لمستقبل بعيد، بل باتت أمرا ماثلا أمامنا.

هل نحن بمعزل عن الأزمات المتوقعة؟

كلا بالطبع، بل ربما يعنينا الأمر أكثر مما يتخيل البعض. فقد أشارت تقارير صادرة حديثا إلى أن العالم العربي سيكون بين المناطق الأكثر تضررا من التغيرات البيئية والمناخية، وأن الحكومات تحتاج إلى أن تبدأ منذ الآن في الاستعداد لمواجهة الآثار المتوقعة، سواء كانت موجات حر شديد سترفع من استهلاك الكهرباء، أو كوارث سيول مفاجئة، أو عواصف متزايدة. وقد شهد عدد من الدول العربية في الآونة الأخيرة موجات من الحر والجفاف، وكذلك سيولا وأمطارا غزيرة غير موسمية أحدثت أضرارا كبيرة وخسائر في الأرواح.

ويحذر العلماء من أن العالم العربي الذي يعاني أصلا من نقص المياه، سيواجه طقسا أكثر جفافا وأشد حرارة في السنوات القادمة؛ وبالتالي ستكون المياه مشكلة أكبر، إلى حد أنها قد تصبح نواة لحروب في المنطقة أو لاضطرابات داخل بعض الدول إذا بدأ يحدث شح في الغذاء. وكان المنتدى العربي للبيئة والتنمية قد أشار إلى أن موارد المياه العربية قد انخفضت بمقدار الربع مقارنة بالموارد في عام 1960، وأن التسخين الناجم عن ظاهرة الاحتباس الحراري سيفاقم مشكلة إمدادات المياه في العالم العربي.

وحتى لا يستخف أحد بهذا التقرير لمجرد أنه صادر من جهة عربية، فإن خبراء الفريق الحكومي الدولي للتغير المناخي التابع للأمم المتحدة أشاروا إلى أن درجات الحرارة في المنطقة العربية سترتفع خلال العقدين المقبلين. ويرى الخبراء أن هذا الأمر سيؤدي إلى تداعيات بيئية كبيرة من موجات من الجفاف ونقص في المياه إلى أزمات في الغذاء. ولتوضيح الصورة أكثر؛ فإن دراسات دولية أعدها مختصون تذكر أن ارتفاع درجة حرارة الأرض يزيد من نسبة تبخر المياه في اليابسة والبحر، مما يعني موجات جفاف في المناطق التي لا تهطل فيها أمطار كافية لتعويض نسبة المياه المتبخرة. وما يزيد الأمر سوءا أن الخبراء رصدوا أن موجات الجفاف التي بدأت تحدث في عدد من المناطق حول العالم، كثيرا ما تعقبها أمطار غزيرة غير موسمية تحدث سيولا مباغتة وتدمر المحاصيل الزراعية. ولعلنا لم ننس أزمة ارتفاع أسعار القمح عالميا بأكثر من خمسين في المائة في منتصف العام الحالي عندما تضررت المحاصيل بسبب موجة حر وجفاف في روسيا، وأمطار غزيرة في كندا، وفيضانات في الهند وأسراب جراد هاجمت المحاصيل في أستراليا. وهذه كانت مجرد عينة فقط من الأزمات والمشكلات التي يحذر منها العلماء نتيجة التغيرات البيئية والمناخية حول العالم.

ارتفاع معدلات الحرارة يقود أيضا إلى كوارث من نوع آخر. فالحرارة ترفع مستويات مياه البحار والمحيطات، كما أن العلماء بدأوا يرصدون ذوبان الكتل الجليدية القطبية خصوصا في القطب الشمالي حيث ثقب الأوزون أوسع بسبب التلوث البيئي. هذا الارتفاع لو تواصل فإنه سيؤدي إلى غرق مدن ساحلية كثيرة حول العالم منها مدن عربية وإسلامية، خصوصا في المناطق المنخفضة التي لا ترتفع كثيرا عن مستوى البحر.

المفارقة العجيبة أن العالم العربي الذي لم يتسبب إلا بنسبة ضئيلة من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة سيكون ضمن المناطق الأكثر تضررا من الكوارث البيئية الناجمة عن تغيرات المناخ. لكن العدالة غائبة في هذا الموضوع مثلما هي غائبة في كثير من جوانب العلاقات بين الشمال الصناعي الغني والجنوب النامي والفقير في غالبه. وفي كل الأحوال فإن البكاء على اللبن المسكوب لا يفيد، وعلى الدول العربية أن تتيقظ سريعا لحجم الخطر القادم وتبدأ خططا وبرامج لمواجهة التبعات المتوقعة. ولعل أهم الخطوات المطلوبة في هذا المجال تتعلق بالمياه، وهي شريان الحياة، سواء بترشيد استخدامها، أو بالبحث عن البدائل المتاحة مثل التوسع في مشاريع تحلية المياه في الدول المطلة على بحار، أو بتطوير أساليب الزراعة التي تستخدم مياها أقل، مع أساليب الزراعة في الصحراء.

إن هناك حديثا كثيرا عن أهمية الأمن الغذائي، وهي مسألة تزداد أهمية مع معدلات الزيادة السكانية التي ستجعل عدد سكان العالم العربي يرتفع بنسبة 300 في المائة بحلول عام 2050. هذا الأمن لن يتحقق إلا إذا بدأت الدول العربية عملا جادا منذ اليوم لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية، ولعل التعاون الجماعي الغائب في كثير من المجالات يتبلور في هذا الموضوع المصيري، خصوصا أن مجالات التعاون كثيرة، بدءا من الربط الكهربائي وانتهاء بالاستثمار الزراعي، لكن السياسة كثيرا ما تعوق الاقتصاد في عالمنا العربي.

الخبراء يحذرون من أن التأجيل في مسألة التصدي لمشكلات البيئة والمناخ لم يعد خيارا ممكنا، فهل نستيقظ قبل فوات الأوان؟