غيرتنا من لاري كينغ

TT

تستحق تجربة المذيع الأميركي لاري كينغ بعض التأمل.

كينغ أنهى قبل أيام مسيرة برنامجه الذي استمر على محطة CNN خمسة وعشرين عاما ليعد بذلك البرنامج التلفزيوني الأطول في العالم وخلاله قدم المذيع الأشهر ما لا يقل عن أربعين ألف مقابلة مع شخصيات سياسية وفنية واجتماعية وليحقق معدلات عالية في المشاهدة متخطيا في حلقته الأخيرة المليونين ونصف المليون مشاهد.

أنهى كينغ برنامجه وهو في السابعة والسبعين وبحسابات بسيطة فإن هذا البرنامج بدأ حينما كان كينغ في الثانية والخمسين من العمر. بدأ كينغ تألقه في العمر الذي كثيرا ما نعتقد في عالم الإعلام والتلفزيون أنه حد النهاية.

إنها السن التي نادرا ما لا يتأثر بها العاملون في هذا العالم وهنا يستحضر المرء في نقاشه الإعلام العربي.

لا شك أن المظهر اللائق والكاريزما إلى جانب المعرفة والدراية والحيوية والخبرة المهنية هي بعض من عناصر يحتاجها من يطمح لأن يكون مقدما أو مذيعا أو مراسلا تلفزيونيا ناجحا، لكن ليست هذه وحدها ما تشغل بال العاملين والطامحين في العمل في الإعلام التلفزيوني.

التقدم النسبي في العمر يزعج المذيعين والصحافيين التلفزيونيين العرب أما بالنسبة إلى الإناث منهن فإن الأمر يصبح في أحيان كثيرة هاجسا مؤرقا. أكثر من مؤسسة تلفزيونية عربية أقدمت على إقصاء مذيعات ومقدمات عن شاشاتها بذريعة التقدم في السن. يحدث ذلك بسهولة ودون أي شعور بالتمييز ضد أحد من قبل من أقدم على قرارات الإقصاء هذه.

الإعلام التلفزيوني هو تحد يومي ويحتاج حتما إلى التجديد في المشهد وفي العناصر. إنما يحتاج أيضا وربما على نحو أكثر إلحاحا إلى الخبرة وإلى المراكمة والشرط الثاني لا يتحقق إلا بعد تجاوز عمر الشباب بمعناه التلفزيوني العربي. فالمحطات التلفزيونية العربية لا تعبأ بهذا الشرط وهي إذ تقصي وجوها قاربت مستويات النضوج بذريعة التقدم في العمر إنما تقصي أيضا خبرات أصحاب هذه الوجوه والنضوج الذي من المفترض أن يكون قد طبع تجاربهم.. نحن نتحدث عن تجربة الإعلام التلفزيوني بعد الثورة التي شهدها في تسعينات القرن الفائت، أي منذ نحو عشرين سنة.

هذه المدة الزمنية وعلى نحو ما أحدثته لجهة التقدم في العمر أنضجت أيضا خبرات وتجارب. اليوم يكابد هذا الجيل من الإعلاميات معضلة التقدم في العمر. نرصد ذلك عبر اضطراب في الشكل وفي الوجوه. المشكلة أن مصدر هذا الاضطراب شعور صاحبات هذه الوجوه بأن العقل التلفزيوني العربي يقدم الشكل على المضمون وهذا ما يدفع هؤلاء إلى التدخل في إعادة صياغة شكلية للوجوه وغالبا ما تكون النتائج على نحو معاكس لما تمنين وهدفن. أصابت هذه الفوبيا وجوها من المقدمين ولم تقتصر على المقدمات والإعلاميات.

حتما لا تقتصر هواجس العمر على الإعلاميين والإعلاميات العرب، بل نرى هذا الهاجس ظاهرا في الإعلام الغربي والعالمي دون أن يتمكن من إضعاف أهمية الخبرة والمعرفة المهنية.

يحق لنا أن نغار بعض الشيء من لاري كينغ..

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام