يا «مال» الشام!

TT

ينحصر الحديث بشكل أساسي عن سورية من خلال مسألتين رئيسيتين؛ الأولى المسألة اللبنانية، والثانية المسألة العراقية، وذلك بنقاش وتحليل الدور السوري وتأثيره، ولكن ينسى الناس أن يتحدثوا عما يدور في الداخل السوري نفسه. سورية تحولت إلى رقم صعب في المنطقة العربية، فتركيا ترى أن مدخلها إلى العالم العربي يأتي عن طريق سورية (أكبر استثمارات تركية في العالم العربي اليوم بسورية) والحراك السياحي بين سورية وتركيا بلغ معدلات قياسية (هل من المصادفة أن «الدبلجة» للمسلسلات التركية تتم في سورية وبلهجة سورية؟)، وكذلك الأمر، وإن كان بأسلوب آخر ومغاير تماما، بالنسبة لإيران، فهي ترى أن سورية هي المدخل المناسب لها إلى العالم العربي، لأن إيران لن تحظى بالقبول الكافي إلا من خلال دولة عربية أصيلة لها ثقل ووزن مناسب ومكانة معروفة. والعراق هو الآخر يحاول كسب ود «الجارة» سورية، التي كانت تتسرب أرتال مما يطلق عليهم مقاومي الاحتلال من مختلف الدول العربية عبر حدودها، وهي نفس المسألة التي كانت تحاول الولايات المتحدة الأميركية التنسيق مع سورية بخصوصها، وحتى لبنان الذي كان الكثير من زعمائه وقادته يروجون لعداء سورية بشكل هستيري ها هم الواحد تلو الآخر يذهب لدمشق لإبداء الحب والولاء. داخليا، سورية كانت تدرك الضغوطات التي كانت تتعرض لها، وأيضا تدرك أن هناك ملفا كبيرا من الإصلاحات الداخلية المطلوب تطويرها، فبدأت في إجراءات «تحسين» الصورة عبر تحسين جزئي لمناخ الاستثمار، مما مكنها من استقطاب رؤوس أموال خليجية وإيرانية وتركية وهندية وماليزية وأوروبية في مجالات القطاع العقاري والسياحي وتجارة التجزئة والصناعة والبترول، وانعكس ذلك على أسعار العقارات والأراضي والسلع الغذائية التي شهدت ارتفاعا حادا في الأسعار، وذلك بسبب إقدام العراقيين الذين هاجروا لسورية بعد الحرب، والسوريين في المهجر، على شراء العقارات تحديدا، وتبع ذلك إدخال (والسماح بوجود) الكثير من المصارف التجارية وشركات التأمين، وكذلك فتح المجال للمنافسة على رخص الهاتف الجوال، ولا يمكن إغفال إطلاق سوق الأسهم السورية، وإن كان بشكل بطيء وحذر. ولعل من أهم «الصادرات» المؤثرة جدا والناجحة جدا والمنطلقة من سورية هي المادة الدسمة المتمثلة في المسلسلات السورية التي لاقت رواجا هائلا، وباتت تشكل دخلا مهما ورافدا لا يمكن الإقلال من شأنه. وتزداد طموحات السوريين الراغبين في تحسين الكثير من أمور بلادهم كالموانئ والمطارات والخطوط الجوية والسكة الحديد والطرق العامة والزراعة والري، وحتى ان هناك حديثا يروج بين السوريين الذين يتحدثون عن دراسة تم إعدادها لنقل العاصمة من دمشق إلى حمص، لأن موقع حمص مركزي أكثر، ودمشق أنهكت من هجرة الريف إليها، ومن ارتفاع معدلات الازدحام والتلوث بها، وأعتقد أن خطوة كهذه لو تمت فسيكون من الصعب بعدها إطلاق النكات على «الحماصنة»! سورية تحولت في الفترة الأخيرة إلى «نكهة الشهر» أو «طبق اليوم»، الكل يرغب في رضاها وودها، ولكن التحدي المهم هو كيف سيوظف السوريون هذا الود والرضا لصالح بلدهم واقتصاده، لأن التحديات لا تزال ضخمة، سواء أكانت نسبة الأمية أم البطالة أم النمو الاقتصادي، جميعها بحاجة للتحسين، وكذلك تبقى تحديات توفير المياه وتغطية الكهرباء واستكمال الاحتياج الإسكاني الشعبي وتطوير المرافق الصحية. سورية خطت خطوات مهمة في السنوات الأخيرة، وحسنت في كثير من القطاعات الحيوية، ولكن المطلوب أن يكون هذا التحسين مستمرا وشاملا، فالرهان دائما قائم على العقلية السورية التي عرفت من القديم التجارة وتميزت بها وكانت جزءا من «رحلة الشتاء والصيف» المذكورة في القرآن الكريم. هل ستنضم سورية إلى الأسواق الناشئة كأحد النمور الصاعدة الموعودة؟ هذا السؤال الذي يجب أن ينشغل به السوريون أكثر من لبنان والعراق وإيران.

[email protected]