الإسرائيلي.. جوليان أسانج!

TT

لعل القارئ الكريم يتذكر ما رددته بعض الألسنة والأقلام العربية عن أن جوليان اسانج قائد كتيبة «ويكيليكس» الإنترنتية قد تعمد هو ورفاقه تجنيب إسرائيل نيران الوثائق المحرجة، وأنه من أجل ذلك كان نصيب الدولة العبرية من الوثائق معدوما أو شبه معدوم.

الأغرب من ذلك أنه حصل تسليم ضمني بهذه «الحقيقة» الوهمية، ثم انتقل «كثير» من الإعلام العربي إلى تحليل: لماذا حصل ذلك؟ ولم برأيك - حضرة فلان أو علان - يجري هذا التجاهل لإسرائيل، وكيف نفسر هذا التغييب المتعمد من قبل من يدعون حرية المعلومة، وهل نعتبر أنه قد جرى الاتفاق بين جوليان أسانج وإسرائيل عبر أجهزتها العالمية الخفية، وأن هذا التسريب موجه ومتعمد لسوق الرأي العام العالمي صوب وجهة محددة وأجندة مسبقة ضمن مخططات المكر العالمي الرهيب؟!

الجميل أن هذا النوع من الجدل والتخمين ليس بعيد الزمن حتى يقال إنكم تبالغون في تصوير هوس العقل العربي بنظرية المؤامرة، بل هو ما جرى عقب الموجة الأخيرة من تسريبات «ويكيليكس» وتحدث به من تحدث وكتب عنه من كتب، وما زال هذا النوع من الأحاديث جاريا.

لم يقتنع الكثير بأن أسانج ورفاقه، ببساطة، ما هم إلا صوت وسائط الإعلام الحديثة والنتيجة الطبيعية لثورة المعلومات، وأن هذه التسريبات الأخيرة ليست الأولى من نوعها، وأن تجربة «ويكيليكس» كلها ليست التجربة الأولى، وأننا نعيش زمن الحرية القصوى لانتقال المعلومات رغم أنف الحكومات والشركات والمؤسسات الاجتماعية.

كان هذا الكلام غير مقنع للكثيرين وظلوا أسرى التفسير التقليدي لـ«لعبة الأمم»! ومع أن لعبة الأمم حقيقة سياسية وتاريخية لا جدال فيها ولكن الجدال هو في الشطط في جعل كل ما يجري إنما يجري ضمن مخططات مسبقة ومحكمة في هذه اللعبة، بينما جمال التاريخ والتجربة الإنسانية هو فيما يكسر حدة التخطيط وفي «فلتات التاريخ».

بكل حال، ليس من الحسن الاستطراد هنا، فقد سبقت الإشارة إلى إسرائيل وفرضية الإهمال المتعمد من قبل «ويكيليكس» في مناسبة سابقة من هذا الشهر عن هذا الموضوع.

الجديد أن المذيع أحمد منصور في قناة «الجزيرة»، ولست أظن أنه سيوفر إسرائيل أو أسانج من فكرة التآمر المسبق لو وجد أدنى دليل، قد قابل الرجل مؤخرا في برنامجه على قناة الجزيرة «بلا حدود» وأخبره أن كثيرين في العالم العربي يشعرون بوجود اتفاق له مع إسرائيل وأن إسرائيل تشعر بالرضا تجاه ما تقوم به «ويكيليكس».

فنفى أسانج ذلك وقال: «ما زلنا بانتظار أن نطلق وثائق عن إسرائيل، الكم الأكبر منها لم ينشر بعد، وهذا سيكون مثيرا للجدل للغاية».

كان من الأفضل الانتظار حتى تكتمل الصورة ليكتمل التصور المعقول عن الوثائق وخارطة العالم فيها، ولكن كان هناك «قابلية» عالية لتصديق هذا النوع من التحليلات المبنية على معطيات خاطئة.

وهو الأمر الذي يطرح السؤال الأكبر من قصة «ويكيليكس» كلها: لماذا لدينا هذه القابلية العالية والتصديق السريع لتآمر الجميع ضدنا، كل الجميع؟!

[email protected]