المواجهة البحرية التركية – الإسرائيلية في شرق المتوسط: لم لا؟

TT

في مطلع عام 2007 نجحت البحرية التركية في التصدي للمشروع القبرصي اليوناني - الأوروبي المشترك بعدما دخلت مباشرة على الخط وقامت باستعراض عضلاتها أمام سفن التنقيب عن النفط والغاز النرويجية وإقناعها بالعودة من حيث أتت، فما يجري هو ليس لعبة أطفال بل هي رسائل الحرب والاستعداد لخوضها إذا ما تمسك الطرف المقابل بالتفريط والاستخفاف بالمطالب التركية وشروطها. وهكذا دخل الوسطاء على الخط لإقناع الأطراف بهدنة مؤقتة يبدو أن تاريخها انتهى لكن اللاعبين الجدد والسيناريوهات المتطايرة في سماء شرق المتوسط تشير إلى هيمنة شبح الحرب هناك ووقوع الانفجار في أي لحظة بين شركاء وحلفاء الأمس الذين أخذوا مواقعهم هذه المرة في الجبهات المتقابلة، بعدما تغيرت خارطة التحالفات، متمسكين بالمضي حتى النهاية في خيار الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم النفطية والغازية المدفونة في قعر المتوسط حتى ولو كان خيار الحرب هو الثمن.

قبل أيام، وقعت إسرائيل وقبرص التركية اتفاقية ترسيم الحدود المائية بينهما واتفقا مبدئيا على التعاون والتنسيق في التنقيب عن النفط واستخراجه في المناطق الاقتصادية المشتركة التي تجمعهما في شرق المتوسط. اتفاقيات مماثلة كانت وقعت بين مصر وقبرص اليونانية عام 2003 وبين بيروت ونيقوسيا عام 2007 لم تحولها الحكومة اللبنانية إلى البرلمان للمصادقة عليها. أما سورية وإسرائيل فرجحا يومها إرجاء مناقشة مثل هذه المسائل وعدم الدخول في اتفاقيات من هذا النوع احتراما لعلاقاتهما الإيجابية المتصاعدة مع أنقرة.

وزير خارجية قبرص اليونانية يورغوس ليليكاس قال لنا وقتها إن اتفاقيات وعقودا من هذا النوع والحجم ستعطي لنيقوسيا فرصة أن تأخذ المكانة والدور التركي الإقليمي وأن تقربها أكثر من بلدان شرق المتوسط مما سيعزز نفوذها من جهة ويحمل الاتحاد الأوروبي إلى تخوم هذه المناطق بعدما فشلت تركيا في ذلك من جهة ثانية. لم نتوقف طويلا في تلك الآونة عند هذه التصريحات التي قطعت تركيا عليها الطريق بسرعة البرق. لكن الجديد هذه المرة هو أن العلاقات التركية الإسرائيلية متوترة اليوم وأن تل أبيب لم تتردد ولو للحظة واحدة في توقيع هذه الاتفاقيات التي تعرف أنها تتم على حساب القبارصة الأتراك والدولة الفلسطينية أولا وتغضب الدول الساحلية المجاورة وبينها سورية ومصر ثانيا وتهدد ما بقي من استقرار هش هناك ثالثا. هل ستتحرك السفن الحربية التركية مرة جديدة كما فعلت قبل 3 سنوات رغم أنها تعرف أن الفارق هذه المرة سيكون عودة سفن التنقيب النرويجية بحماية المقاتلات والبوارج الحربية الإسرائيلية؟ لم لا؟

بقي أن نعرف رأي الاتحاد الأوروبي وواشنطن مثلا في ما يجري خصوصا أنهما وقفا يومها إلى جانب «الحق القبرصي اليوناني في عقد الاتفاقيات واستثمار حصته المائية كما تقول اتفاقيات فيينا في قانون البحار» لكنهما رضخا أمام العناد والتمسك التركي بقرار منع نيقوسيا من تعريض مصالحها الحيوية للخطر على هذا النحو حتى ولو كانت تتحرك باسم الاتحاد الأوروبي ونيابة عنه في المنطقة. فهل يتكرر المشهد أم أن دخول إسرائيل على الخط على هذا النحو التصعيدي المتعجرف يعكس ليس فقط الرغبة الإسرائيلية بتصفية حساباتها مع أنقرة بل وجود تناغم غربي يدعم ولادة هذا الحلف الجديد الذي يجمع بين إسرائيل وقبرص اليونانية للإشراف على مخزون نفطي يقدر بـ400 مليار دولار يتم تحريكها والهيمنة عليها بقرار وإدارة غربية بينما نقبل نحن بفتات الخبز الذي هو لنا أصلا. المواجهة العسكرية هي التي تتقدم في هذه الآونة على لغة الحوار والتهدئة.

مشروع كوفي أنان حول الحل في قبرص قبلته الغالبية التركية ورفضته الأكثرية اليونانية في الجزيرة عام 2004 ومع ذلك كانت جائزة نيقوسيا إلحاقها بالمشروع الأوروبي. مراكز القرار في الاتحاد الأوروبي توحد نيقوسيا وتل أبيب هذه المرة ليكونا رأس حربة في شرق المتوسط تحت غطاء حمل الرفاهية والازدهار إلى هذه الشعوب مع أن الطريق الأقصر كان تذكر حقوق السواحل الغزاوية والمساعدة الحقيقية على حل المشكلة القبرصية وتسهيل حل النزاع العربي الإسرائيلي برغبة صادقة والوقوف إلى جانب لبنان في حماية حدوده البرية الدولية التي تحاول إسرائيل التلاعب بها في كل فرصة فأين نحن من كل ذلك والعواصم الأوروبية لا ترى إلا ما تريد أن تراه؟ هل هي رأت في خيار المواجهة العسكرية التي لا بد أن تكون تركيا طرفا فيها ضرورة حتمية هذه المرة؟

حسابات يريد البعض تصفيتها مع العدالة والتنمية وهي فرصة.